شارع الجيش الملكي حكر على أبناء المدينة القديمة ولـالمهنة قواعدها

رمضان فرصة لزيادة مداخيل المتسولين بالدارالبيضاء

الثلاثاء 25 غشت 2009 - 11:28

في محاولة لاستجداء عطف المارة بشارع الجيش الملكي في الدار البيضاء، لم تكن الطفلة، البالغة من العمر حوالي ست سنوات، غير اعتراض سبيلهم وشد تلابيب ملابسهم وهي ترفع رأسها الصغير وبين شفتيها ابتسامة خفيفة قصد إثارة الانتباه والإذعان لطلبها.

وما إن يبدي أحد المارة اهتماما لهمهماتها، حتى تحيط به طفلتان أخريان، سعيا منهما إلى بيع مناديل ورقية، تستعينان بها لكسب دراهم، ربما تجدان في الحصول عليها متعة أكثر من سد الحاجة.

سيارات وحافلات يعج بها شارع الجيش الملكي، المارة يسيرون على امتداد الشارع والأزقة المجاورة له باتجاهات مختلفو، بعض المتسولين جالسون يترقبون من يلقي بالنقود في أياديهم الممتدة، يهمسون طالبين صدقات بعبارات استجداء تتوافق وفترة رمضان، وإن لم يعرهم أحد اهتماما، يتسمرون ويلحون، وآخرون يترنحون، وهم يرمقون بنظرات يقظة، العدد الكبير للمارة، ليسرعوا الخطى نحو كل من رأوا فيه زائرا أجنبيا، ويساعدهم على ذلك وجود فنادق ومقاه بالشارع، يوقنون أنها وجهة السياح.

حركة دؤوبة للمواصلات، وحشود الناس تتدفق من كل الأزقة والشوارع، التي تتقاطع مع شارع الجيش الملكي، صخب وضجيج يكتسح المكان، والمضي باتجاه الشارع ينبه إلى وجود أعداد غفيرة من الناس، امتلأت بهام كراسي المقاهي، وكأنها الملاذ الوحيد للسكان البيضاويين وزوار الدار البيضاء.

لم تكن أفواه بعض زبناء المقهى فاغرة لتعبر عن اندهاشهم مما يتراءى أمامهم من رواج وحركية وهم يحتسون مشروبهم، بل كانت أنظارهم مركزة على إصرار المتسولين، الذين ما فتئوا يتربصون بالمارة، ويكفي أن يكون هندام أحدهم أنيقا ومرتبا ليستأثر باهتمام المتسولين، أما إن كانت لهجته غير اللهجة المغربية فلا فكاك له من المتسول، إلا بعد التصدق عليه ببعض الدراهم، تفاديا للإحراج.

يمر أمام المتسولين المتربصين أناس منزعجون، متعبون، وآخرون مبتسمون ويتكلمون، والمتسولون بكل هذا لا يعبأون، خاصة وأن الفترة هي رمضان، "شهر المغفرة والتوبة"، لازمة يرددها المتسولون على مسامع المارة، حتى على الأجانب الذين لا يفقهون اللغة العربية، والمتسولون يعون، ذلك، ما يدفعهم إلى اعتماد إيماءات جسدية، وإشارات يتوخون منها الإيحاء للناظر بأن ضعف حيلتهم وحاجتهم إلى المال باد من مظهرهم.

عالم المتسولين

يجد المتسولون في الطواف على جنبات الفنادق والمقاهي فرصا لاصطياد شخص يجهل واقع المنطقة ( شارع الجيش الملكي)، التي أصبحت وجهة لكل المتسولين من كل الفئات والأعمار، خاصة الفتيات والنساء، فيظهرون بشكل لافت وهم يترصدون الخطوات، وكم يطيب لهم إيجاد أجنبي رفقة فتاة مغربية، لأن إحراج مثل هذا الثنائي يسهل عليهم الحصول على الدراهم، ولأن الفترة هي رمضان، لا يكففون عن التذكير بأنه شهر "الإحسان"، وأن مصاريف العيش في تزايد مستمر، وحتى خمسة دراهم لا تكفي المتسول، فيصر على الإلحاح والإزعاج والتوسل، إلى حين مضاعفة المبلغ.

أما الحديث إلى أحد المتسولين فيتطلب التصدق عليه، لأن وقته أثمن بكثير من دردشة ستجر عليه ويلات تهدد وجوده بالمنطقة حيث ينشط أمام منافسة رفاقه، وكم هي كثيرة المشادات بين المتسولين إذا لم يحترم أحدهم المنطقة التي اتفق على الالتزام بها، وكم هو صعب على المتسول الجديد التأقلم مع المنافسين القدامى، إذ كلما زاد عددهم ضعف ربحهم،أو، على الأقل، هكذا يجدون الأمر.

وبما أن التسول "فن" لدى محترفيه، فله أدبياته في رأيهم، فليس كل من سولت نفسه يأتي إلى المنطقة حيث توجد الفنادق الفخمة، ويشرع في اللحاق بالناس واستجداء عطفهم، فالمنطقة حكر على سكان المدينة القديمة، وهم يعرفون بعضهم على نحو أكبر، وإذا ما اخترق عالمهم متسول غريب، يكنون له بالمرصاد، ويحاربونه حتى يمنعوه.

كما يتخذ المتسولون الحيطة والحذر تجاه الغرباء عنهم، ما عدا من يمد إليهم الدراهم، التي لا يحظى صاحبها في كثير من الأحيان بكلمة شكر، لأن متسولي هذه المنطقة هم من صنف آخر، وفي غنى عن استعطاف المغاربة، مقابل أهمية ما يتصدق به الأجانب.

كما أن متسولي هذه المنطقة كثيرو الإلحاح، وإن كان صرف النظر والتجاهل هو أغلب ما يتلقونه مقابل تمثيلياتهم المتكررة (التعبير عن العجز والجوع، وربط ذلك بشهر رمضان).




تابعونا على فيسبوك