الشعرالمنثور والتحديث الشعري لحورية الخمليشي

الجمعة 21 ماي 2010 - 11:04

لم يحظ موضوع الشعر المنثور في العالم العربي بما يستحقه من اهتمام من طرف النقاد والباحثين، ولم تصدر حوله دراسات وافية

اللهم إلا بعض المقالات في مجلات مواكبة لظهور هذا الجنس الشعري، ولحركة التحديث الشعري بصفة عامة،مثل مجلة "شعر"، مما جعل الغموض يلف هذا الجنس الشعري، وجعل البعض ينفر منه دون دراية، وينتقص من قيمته لفائدة الشعرالعمودي.

ولتبديد شيء من الغموض والاضطراب المحيط بالشعر المنثور، والبحث في مقوماته، ورصد تطوره، يأتي كتاب "الشعر المنثور والتحديث الشعري" للباحثة الأكاديمية المغربية حورية الخمليشي، ليقدم بعضا من الإجابات عن الأسئلة العديدة المحيطة بهذا الجنس، ويقدم نبذة عنه منذ سنة 1905، السنة التي نشر فيها أمين الريحاني أول قصيدة في الشعرالمنثور.

ما هو مفهوم الشعرالمنثورفي العالم العربي؟ وكيف يمكن للنص أن يكون شعرا ونثرا في الآن نفسه؟ وما الذي طرأ على بنية الشعر حتى قرب من النثر؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر؟ وهل يتعلق الأمر بكتابة شعر بالنثر أم نثر بالشعر؟ وهل الشعر المنثور خرق للحدود الأجناسية؟ وما هي المميزات النثرية في الشعر العربي والتجليات الشعرية في النثرالعربي؟ ولماذا حصل هذا التداخل بينهما؟ ولماذا سلمنا بشعرية النثر رغم تخليه عن كثير من خصائص الشعر؟ وما هو الفرق بين الشعر المنثور في أوروبا وفي العالم العربي؟ وما هي وضعية الشعر المنثور في الآداب العالمية؟ تلك بعض من الأسئلة الكبرى، التي حاولت الباحثة حورية الخمليشي تقديم إجابات عنها، والنبش في القضايا التي يطرحها مصطلح الشعرالمنثور، الذي يستخدم كمقابل لما يسمى في الأدب الإنجليزي "poety in prose "، وكمقابل للشعر الحر "free verse" بالمفهوم الأميركي الإنجليزي، وهو ما يطرح، كما قالت الباحثة، من جديد، إشكالية تسمية جنس أدبي خارج سياق الثقافة العربية، ومشكل المصطلح في اللغة العربية بشكل عام، لأن ترجمة المصطلح، كما جاء في مقدمة الكتاب، هي نقل للمعرفة وليس نقلا للمصطلح في حد ذاته.

وفي تقديمه للطبعة الثانية لكتاب "الشعرالمنثور والتحديث الشعري" للباحثة حورية الخمليشي، الصادرة حديثا، بالتعاون مع "الدار العربية للعلوم ناشرون" بلبنان، و"منشورات الاختلاف" بالجزائر، و"دار الأمان" بالمغرب، بعد طبعة أولى صادرة سابقا عن "دار زاوية للثقافة والفنون" بالرباط، يقول الناقد محمد مفتاح إن الباحثة سلكت في هذا الكتاب "طرق ذوي الخبرة العميقة، فبدأت بتحديد المصطلحات والمفاهيم، لأنه لا يمكن أن يكون هناك بحث علمي رصين دون التعرف على فضاء الموضوع، وتحديد أبعاده، وحصر امتداداته، وتوصيفه، وتسميته، ليصير ذا هوية وخواص وصور، ودون الاستناد إلى مفاهيم تحليلية وتركيبية تكون معالم ترشد الباحث فالقارئ إلى الوجهة المبتغاة، والأهداف المتوخاة".

وأضاف أن الباحثة حورية الخمليشي لم تكن مقلدة للسلف وللخلف ممن تناولوا الموضوع، لكنها كانت جريئة فناقشت وساجلت، واختارت ما رأته أنسب لتصورها، وأردف "إذا كان للباحثة مزية استشكال ما يراه بعض الباحثين من البينات الواضحات، فإن لها خصلة أخرى، هي الوعي بالصيرورة التاريخية، وبالسيرورة العلمية".
يتوزع كتاب "الشعرالمنثوروالتحديث الشعري"، الواقع في 198 صفحة من الحجم المتوسط،على ثلاثة فصول: الأول خصصته الباحثة للتحديدات المصطلحية للشعر المنثور، وفصلت فيه في الحديث حول مفهومي الشعر والنثر، والعلاقات والفروق بينهما، وانتقلت في الفصل الثاني إلى تتبع مسار الشعر المنثور وتاريخه واستعراض مجموعة من أعلامه، كأمين الريحاني، الذي ينعته النقاد بأب الشعر المنثور، وأحمد زكي أبو شادي، وأحمد شوقي، وجبران خليل جبران، ومحمد الصباغ، وعرضت بعض النماذج الإبداعية لهؤلاء الأدباء، ووضحت من خلالها هيمنة بعض القيم الجمالية، التي كانت سائدة في مرحلة انتشار الشعر المنثور.

وفي الفصل الثالث المعنون بـ "الشعر المنثور والتحديث الشعري" قدمت الباحثة تصورا عاما حول الحداثة الشعرية، وعبر تقسيم رباعي وضحت علاقة الشعرالمنثور بحركة التحديث الشعري، وبالحداثة الشعرية العالمية، التي كانت سببا مباشرا في ظهور هذا الجنس الشعري عند بعض النقاد، كما أبرزت سلطة النص المقدس وتأثيره على شعرالمرحلة، وخلصت في نهاية الكتاب إلى أن مصطلح الشعر المنثور في العالم العربي كثيف الدلالة، يحتاج إلى أكثر من مراجعة، لأن الفهم الخاطئ للمصطلح قد يؤدي إلى الفهم الخاطئ لمعناه. وقالت إن "الشعر المنثور قول شعري وليس شعرا" استنادا إلى ما جاء في كتاب "جوامع الشعر" للفارابي "إذا تمت عناصر التخييل في القول ولكنه لم يبن على وزن وإيقاع محدد، فهل يسمى شعرا؟"، ويجيب قائلا "إنه لا يعد شعرا وإنما هو قول شعري".

يعد كتاب "الشعر المنثور والتحديث الشعري" أول إصدار يتناول مسألة الشعر المنثور في العالم العربي، ويؤرخ له كمصطلح وتاريخ وتجربة، ويوضح الأخطاء الشائعة في تناول هذا المصطلح، الذي أدى إلى الخلط بينه وبين أجناس شعرية متعددة، كانت وليدة حركة التحديث الشعري، والحداثة الشعرية العالمية. واعتمدت الباحثة في إنجاز هذا الكتاب على أهم المراجع والمصادر العالمية.

و تجدر الإشارة، إلى أن الباحثة حورية الخمليشي، سبق أن صدرت لها المؤلفات التالية: "لغة وتواصل في رحاب الجامعة"، و"الخطاب الشعري العاشق والإبداع"، إضافة إلى مجموعة من الدراسات في المجلات الأدبية العربية المتخصصة.




تابعونا على فيسبوك