توساري ويجايا في حوار مع المغربية

سفير أندونيسيا يتعهد بالدفاع عن إنشاء سوق حرة وتقوية العلاقات مع المغرب

الخميس 17 يونيو 2010 - 12:23

في أول مقابلة له مع الصحافة المغربية، بعد تعيينه سفيرا لبلاده بالرباط، أكد توساري ويجاجا، سفير جمهورية أندونيسيا، في حوار، أجرته معه "المغربية"، أن هدفه هو تطوير العلاقات بين جكارتا والرباط، والارتقاء بها إلى مستوى أكثر ديناميكية، معتبرا الاحتفال بـ 50 عا

وتطرق توساري إلى تاريخ العلاقات المغربية الأندونيسية، ولشخصيات، كان لها دور في صنع هذا التاريخ، موضحا أسباب توافق المواقف بين البلدين، واعتمادهما سياسة سلمية تقوم على مبادئ الوسطية والاعتدال، التي يدعو إليها الإسلام، كما أكد على وقوف بلاده إلى جانب المغرب، منذ مؤتمر باندونغ، عام 1955، لاسترجاع سيادته، وقال إن "أندونيسيا إلى جانب حل سلمي لقضية الصحراء، مؤكدا أن "مبادرة المغرب لمنح سكان الصحراء حكما ذاتيا، هي الحل الأمثل، الذي عالجت به أندونيسيا مشكل إقليم آتشي".

كما تطرق سفير أندونيسيا إلى مجموعة من القضايا والمواقف، تهم علاقة البلدين، من قبيل قضية الشرق الأوسط، والإرهاب، وإسلام الوسطية والاعتدال. ولم يخف الديبلوماسي الأندونيسي رغبته في إنشاء سوق حرة بين المغرب وأندونيسيا، على غرار الاتفاقات، التي تجمع المغرب بعدد من البلدان العربية والأوروبية والأميركية.

تقلد توساري ويجايا مهمة سفير أندونيسيا بالمملكة المغربية في 8 مارس 2010، بعد أن قضى 18 سنة عضوا بالمؤسسة التشريعية لبلاده، منها 10 سنوات عضوا بلجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأندونيسي.

وشارك في العديد من المؤتمرات الإقليمية والعالمية، ويحدوه الكثير من الأمل لتطوير العلاقات المغربية الأندونيسية ودعمها، لبلوغ مستوى أكثر عمقا، لما فيه مصلحة البلدين.

* تحتفل أندونيسيا والمغرب بالذكرى الخمسينية للعلاقات بين البلدين، كيف تقيمون، الآن، حصيلة هذه العلاقات مع بلد في أقصى غرب العالم الإسلامي بينما، أنتم في أقصى شرقه؟ وما هي الشخصيات التاريخية، التي أطرت هذه العلاقات؟

- بداية، يسعدني أن أعبر لكم عن افتخاري واعتزازي بالمستوى، الذي بلغته العلاقات المغربية الأندونيسية، خلال الخمسين سنة التي مضت، لكن، أتمنى أن تستمر وتتألق لتكون خلال 50 عاما المقبلة في مستوى أكثر تطورا وأكثر عمقا، إننا طموحون، ولا نقنع بما نحققه من تآزر وتعاون بين بلدينا.

إن لهذه العلاقة أوجها متعددة، أبرزها، أننا نشترك في الدين والعقيدة، وأنا أعتبر شخصيا هذه الأرضية الدينية، بمثابة مبدأ يتعين علينا أن نستثمره لدعم بعضنا البعض في جميع القضايا الإقليمية والدولية.

وقبل أن أتحدث عن شخصيات ساهمت، في عصرنا الحاضر، في بناء وتطوير هذه العلاقة، أريد أن أثير نقطتين مهمتين، أولاهما تقوم على الجانب الديني، وأن شخصا مغربيا في أندونيسيا، أتى من بلادكم، هو الشيخ الرحالة بن بطوطة، الذي قدم إلى بلادنا، وأعني مملكة سامودر فاسي، بأجيج، مرتين في القرن الثامن الهجري، وكان له دور في نسج الخيوط الأولى لهذه العالقة، وهناك أيضا، الإمام بنجول، وهو رجل دين مجاهد من أصل مغربي، أتى بدوره من المغرب، ويتمتع، إلى اليوم، بمكانة كبيرة لدى الأندونيسيين، إضافة إلى شخصيات أخرى من العالمين العربي والإسلامي، مثل ابن سينا وابن رشد، وهما من الأسماء، التي كان وما زال لها دور في تطور أندونيسيا.

هؤلاء الأشخاص لهم شعبيتهم عند الأندونيسيين، خصوصا، لدى المسلمين، وهذا ما يشكل الأساس التاريخي الأول للعلاقة بين بلدينا، ومن هذا المنطلق، ومن هذه الزاوية الإسلامية، استمرت، ويجب أن تستمر العلاقة بين شعبينا.

أما بخصوص النقطة الثانية، فتتعلق بالجانب السياسي، ونحن نعرف أنه، في الخمسينيات من القرن الماضي، كان القاسم المشترك بين آسيا وإفريقيا، هو الإسلام، وكان من أهداف الرئيس أحمد سوكارنو، جمع البلدان العربية والإسلامية وتوحيد كلمتها، بمؤتمر باندنغ سنة 1955، هذا في الوقت الذي كانت دول في إفريقيا ما زالت تحت الاستعمار، لكن، مباشرة بعد مؤتمر باندونغ الشهير، الذي كان من نتائجه حصول هذه الدول على استقلالها، بادرت أندونيسيا بتأسيس منظمة حركة عدم الانحياز، التي انضم إليها المغرب، الذي حصل على استقلاله مباشرة بعد هذا المؤتمر، الذي عقد في 18 أبريل 1955، والذي كان من أهم ما تضمنه بيانه الختامي، المطالبة باستقلال الدول المستعمرة.

فأندونيسيا تدعم دائما استقلال المغرب، إذ اتفق الطرفان على بدء العلاقات الديبلوماسية بينهما بتاريخ 19 أبريل 1960، وزار سوكارنو المغرب في 2 ماي 1960، وكان لقاؤه بالملك الراحل محمد الخامس، رحمهما الله، لقاء أخويا حارا، بين زعيمي بلدين مسلمين.

ويسجل التاريخ أن هذا اللقاء تميز، في وقته، بطابع استراتيجي مهم، بسبب المكانة، التي كان يتمتع بها كلا الزعيمين في قارتيهما، فالملك محمد الخامس كان في نظر الأفارقة زعيما كبيرا، وكذلك الأمر بالنسبة لسوكارنو، الذي كان ينظر إليه الآسيويون بتقدير كبير، وبوصفه زعيما تاريخيا كبيرا.

من ثمرة هذا اللقاء، توقيع اتفاقية بين البلدين، تسمح لمواطنيهما بحرية التنقل، دون تأشيرة، وهي الاتفاقية، التي ما زالت سارية المفعول، ولتأكيد وتعميق روح التفاهم والتعاون بين البلدين، نعثر، كذلك، على أسماء لأندونيسيا ومدنها وشخصياتها، مسجلة في شوارع وساحات المدن المغربية.

* بصفة بلدكم أكبر قطر إسلامي من حيث عدد السكان، كانت هناك أحداث تاريخية مهمة عرفها العالم الإسلامي، ما هي القرارات والمواقف المشتركة، التي وجدت أندونيسيا والمغرب نفسهما فيها جنبا إلى جنب؟

- قبل الجواب عن هذا السؤال، يجب أن أشير إلى أن عدد المسلمين يبلغ، حاليا، حوالي مليار و500 مليون نسمة، 60 في المائة منهم يوجدون في القارة الأسيوية، وأندونيسيا تفتخر بأنها تحتضن حصة الأسد من هذه النسبة، إذ يوجد بها 213 مليون مسلم ومسلمة، ما يعطي بلدنا وزنا خاصا، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لكن، ليس من حيث الكم، بل من حيث الكيف، فنحن، في أندونيسيا، نسلك منهج الوسطية والاعتدال، كما هو الحال، تماما، في المملكة المغربية، وهو أمر ليس غريبا، لأننا، في أندونيسيا، نعتز بالقيم، التي يحملها المغاربة، وبالكيفية المعتدلة، التي يطبقون بها الإسلام.

كما أن الوزن، الذي تتمتع به أندونيسيا، يقوم على المكانة، التي تحتلها بين بلدان العالم، فهي تعتبر أكبر ديمقراطية في دول العالم الثالث، وبفضل هذا الوزن السياسي، تعد اليوم ضمن العشرين بلدا الأكثر تقدما في العالم.

نتيجة لهذه الاعتبارات، يتمتع بلدنا، اليوم، بوزن خاص، ولنا كلمة مسموعة لدى الدول، على الصعيدين الإقليمي والدولي.

جوابا عن سؤالكم، نجد أن أندونيسيا تجد نفسها مع المغرب على الطريق نفسه، للدفاع عن القضايا العادلة في مختلف أنحاء المعمور، ونعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، وهيئة الأمم المتحدة، كما أرسلنا جنودنا إلى عدد من مناطق التوتر لحفظ الأمن والسلم، ومراقبة وقف إطلاق النار، وهنا، أركز بشكل خاص على أن أندونيسيا والمغرب يعتمدان المبدأ السياسي نفسه، لحل المشاكل وإحلال الأمن والسلام، وهو مبدأ الحلول السلمية.

* ما هي المواضيع السياسية المشتركة، التي تشتغل عليها، حاليا، جاكارتا والرباط؟

- إن توافق الآراء بين المغرب وأندونيسيا ينطلق من الإسلام المعتدل، وهذه بمثابة أرضية مشتركة لبلدينا للاشتغال عبر المنظمات الدولية والإقليمية، فنحن والمغرب لا نتردد في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعم حق الفلسطينيين في الحصول على استقلالهم من الاحتلال الإسرائيلي، عبر مفاوضات سلمية وعادلة، أي عن طريق السلم، وليس بواسطة الحرب. إن شعبنا خلف الشعب الفلسطيني، يدعمه ويعتبر قضيته مسألة تدخل في إطار حقوق الإنسان، وتفوق كل الاعتبارات الأخرى.

إن مبدأ الاستقلال هو أساس للعمل التاريخي المشترك بين المغرب وأندونيسيا، ونحن، كما أنتم في المغرب، ندافع عن القضية الفلسطينية، من منطلق حق كل دولة في الاستقلال، كما أن هناك قضايا أخرى على الصعيدين الإقليمي والدولي، تدعمها أندونيسيا والمغرب، انطلاقا من إيمانهما الراسخ بإحلال الأمن والسلم في جميع ربوع الأرض.

* عاش العالم، خلال الأيام الماضية، على أعصابه، جراء الهجوم الإسرائيلي على"قافلة الحرية"، التي كانت تحمل، في طريقها إلى غزة المحاصرة، مساعدات غذائية وطبية، كيف تقيم أندونيسا حجم هذا العدوان؟

- بمجرد أن شنت القوات الإسرائيلية هجومها على باخرة الحرية، أصدرت الخارجية الأندونيسية، بيانا، استنكرت فيه العدوان على هؤلاء الأبرياء، ونحن دائما إلى جانب الحلول السلمية، وليس مع الحرب والإرهاب والعدوان.

* من المعلوم أن بلدكم عانى مشكل تيمور الشرقية، وأنتم أفضل من يقيم العواقب الوخيمة للانفصال، ما هو موقفكم تحديدا من قضية الصحراء المغربية؟

- اختارت أندونيسيا حل الاستفتاء، لأنه كان المناسب في ذلك الزمان، ولاعتبارات تاريخية، فإن تيمور الشرقية لم تكن أصلا ضمن ولايات أندونيسيا، مثل باقي المناطق الأخرى، وبخصوص قضية الصحراء المغربية، فإن أندونيسيا تساند الحل السلمي، عن طريق الحوار، تحت إشراف الأمم المتحدة. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك اختلافا بين قضية تيمور الشرقية، وقضية الصحراء، رغم كونهما نتيجة واحدة للحرب الباردة، ولذلك يجب أن يكون الحل مختلفا.

للإشارة، فإن معالجة قضية الصحراء، يمكن مقارنتها بقضية الحركة الانفصالية بمنطقة أجيج، والحمد لله، هذه الحركة توقفت، بعد أن منحت الحكومة الأندونيسية الحكم الذاتي الاستثنائي لهذه المنطقة.

* تقدم المغرب بمقترح الحكم الذاتي، وحظي بتأييد كبير، وأصبح بموجب قرارات مجلس الأمن يشكل مبادرة جدية، وأرضية للتفاوض من أجل حل مشكل الصحراء، ما هو موقف بلادكم من هذا المقترح؟

- كما ذكرت سالفا، فإن أندونيسيا تؤيد الحل الذي يرضي الطرفين تحت إشراف الأمم المتحدة، ودعني أقول لكم، إن هناك مجموعات في أندونيسيا كانت تطالب بالانفصال، لكن، عندما حصلت على الحكم الذاتي الاستثنائي، توقفت عن المطالبة بالانفصال، كما هو الحال بالنسبة لإقليم آتشي.

* قبل سنتين، في يونيو 2008، انطلقت الدورة الأولى للجنة المشتركة المغربية الأندونيسية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني، هل، برأيكم، تعتبر كافية، خلال نصف قرن من العلاقات؟

- إذا كنتم تقصدون هل أنا مقتنع بحصيلة هذه العلاقات، بعد مضي 50 عاما، أقول إنني لست مقتنعا، نعم، هناك تطابق كبير في وجهات النظر بين قيادتي البلدين، لكن أود أن تكون العلاقات، أيضا، بين الشعبين، على كافة المستويات التجارية والثقافية والاجتماعية، ولا تبقى مقتصرة فقط على المستوى الرسمي.

أرى أنه من الضروري إشراك شعبي البلدين في هذا التعاون، وتوفير أجواء للتعامل المتبادل بين العلماء ورجال الأعمال والمثقفين، من أجل رفع مستوى هذه العلاقات.

وعلى سبيل المثال، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ضئيلة، نسبيا، ولاحظنا، مثلا، أن المغاربة يستهلكون منتوجات أندونيسية، لكنها وصلت إليهم عبر طرف ثالث، من خلال بلدان في أوروبا وآسيا، لأنه ليس هناك علاقات مباشرة بين رجال الأعمال في بلدينا.

شخصيا، أتطلع لإقامة هذه العلاقات، والدفع بها قدما في المستقبل، إن شاء الله.

هناك مثال آخر، الطلبة الأندونيسيون يذهبون إلى اليمن، والسعودية، ومصر، ونحن نتطلع إلى إرسالهم إلى المغرب، لأننا نعتبره بلدا متقدما في العلوم الدينية، ونشترك معه في المذهب المعتدل، وكذلك الأمر بالنسبة للطلبة المغاربة، في مجال العلوم، ونتوق لاستقبالهم في أندونيسيا.

إنني أطمح لتحقيق هذا الهدف، أثناء مهمتي بالمغرب، وأن أدعم كافة جوانب التعاون بين البلدين، وأعمل على تشجيع تبادل الزيارات بين الأساتذة والعلماء ورجال الأعمال، وإقامة المعارض المشتركة.

* ما الذي يسعى إليه أيضا سعادة السفير، خلال وجوده بالمغرب؟

- لدي أهداف أريد أن أحققها مستبقلا في المغرب، وضمنها دعم التبادل في القضايا الوطنية الدفاعية، والتصدي للأخطار الإرهابية، والرفع من مستوى التبادل التجاري، الذي وصل، إلى حد الآن، 20 مليون دولار، والدفاع عن إنشاء سوق حرة بين المغرب وأندونيسيا، كما فعل المغرب مع الدول الأخرى.

وأسعى، أيضا، إلى تبادل الاستثمارات في مختلف المجالات، خاصة منها المجال الفلاحي.

* يواجه العالم الإسلامي خطر التطرف والإرهاب، ومن المعلوم أن المغرب شكل، لعصور طويلة، أرضا للتسامح والتعايش والاعتدال، ما هي أوجه التعاون في المجال الديني بين البلدين؟

- أنا أتفق معك، لا بد من أرض للتسامح، لتفادي الحروب والنزاعات الدموية، وهذا قاسم مشترك بين أندونيسيا والمغرب، لكن، ليس هناك تعاون رسمي في هذا المجال، وأتمنى أن يكون في المستقبل، ولعلمكم، فأندونيسيا لها تجربة طويلة في محاربة التطرف والإرهاب، لكن، نحن ما زلنا نواجه هذا الخطر، لذا، لا بد من التعاون بين البلدين، والاستفادة أكثر من المناهج الدينية المعتدلة السمحة.

هناك اتفاقية بين البلدين على مستوى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المغربية، ووزارة الشؤون الدينية الأندونيسية، وقعت سنة 1994، وسنعمل على تجديدها، خلال الدورة المقبلة للجنة المشتركة، هذا الشهر، كي تستجيب للمستجدات.

* كلمة يريد سعادة السفير توجيهها إلى الرأي العام المغربي؟

- أرى أن 50 سنة الماضية هي مرحلة مهمة في العلاقات بين البلدين، لكن 50 سنة المقبلة هي أشد أهمية، وأنا أدعو المغرب إلى النظر أكثر إلى الدول الآسيوية، لأن هناك إمكانيات سيستفيد منها الجميع، ولي كلمة مهمة أريد أن أوجهها إلى المغاربة، وأقول لهم: انظروا إلى إخوانكم في دول جنوب شرق آسيا، لأن هناك جزءا من تراث المغرب جاء به أجدادكم.




تابعونا على فيسبوك