رحيل المفكر الحداثي الكبير محمد أركون

الخميس 16 شتنبر 2010 - 12:23
الراحل محمد أركون

فقدت الساحة الفكرية العربية والدولية المفكر العربي البارز، محمد أركون، الذي توفي، مساء أول أمس الثلاثاء، في باريس، عن عمر ناهز الثانية والثمانين، وذكرت تقارير إخبارية فرنسية أن أركون توفي بعد معاناة مريرة مع مرض السرطان.

يعد المفكر الجزائري، المولود في منطقة القبائل عام 1928، صاحب مشروع فكري حداثي، ومدرسة ذات أطروحات خاصة، أثارت جدلا واسعا في الأوساط الفكرية العربية، لأنه اختار حقولا شائكة في الفكر والتاريخ والنص الإسلامي. اتسعت معاركه الفكرية شرقا وغربا، إلى درجة أن مؤيديه يعتبرونه مجددا وفاتح آفاق جديدة في الفكر والثقافة العربية والإسلامية، ومفكرا ثائرا ومتحررا من كل المقولات الكلاسيكية، فيما اعتبره معارضوه متفرنسا وتلميذا للاستشراق، ومسوقا للتبعية الثقافية.

ومع أن الراحل كتب جميع أعماله باللغة الفرنسية، إلا أن أغلبها ترجم إلى العربية، وحظيت باهتمام كبير في العالم العربي، خاصة في الأوساط الأكاديمية، إذ يعتبره كثير من المفكرين العرب من جيل ميشيل فوكو، وبيير بورديو، وفرانسوا فوريه، الذين أحدثوا ثورة إبستمولوجية ومنهجية في الفكر الفرنسي، رائدا في مجاله، على الأقل في العالم العربي، لأنه أحدث ثورة مشابهة في الفكر الإسلامي والعربي، من خلال إخضاعه النصوص الدينية للتحليل والدراسة وفقا لأحدث المناهج العلمية.

بالمقابل، كان أركون يرى أن منهجه ليس جديدا على الفكر الإسلامي، بل إنه يسير على خطى مفكري المعتزلة، الذين أخضعوا النصوص الدينية للمساءلة العقلية، قبل أكثر من ألف عام.

وببالغ الأسى والحزن، تحدث الباحث الفلسفي المغربي، سالم يافوت، عن المفكر الراحل، وقال لـ "المغربية"، إن "من سوء حظ الثقافة العربية والمغاربية، هذه السنة، أنها فقدت علمين من أعلامها، المفكر المغربي محمد عابد الجابري، والمفكر الجزائري محمد أركون". وأضاف يافوت أن أركون شغل منصب رئيس شعبة الفلسفة بجامعة السوربون بباريس، قبل أن يحال على التقاعد. وذكر أنه "عرف بأعماله، التي شغلت بال الدارسين والمنشغلين بالفلسفة الإسلامية، وهي تدعو إلى اعتماد مناهج جديدة في دراسة الفكر الإسلامي، وكلها تدعو إلى إحداث قطيعة مع ما أنجزه المستشرقون. أعمال نهل فيها صاحبها من العلوم الإنسانية، ووظفها في الفكر الإسلامي، خاصة تلك المفاهيم المتعلقة بالأنتروبولوجيا وعلم الاجتماع".

وأردف أن لأركون العديد من الدراسات، التي صدرت باللغة الفرنسية، وترجمها إلى اللغة العربية صديقه الباحث، هاشم صالح.

أما الباحث عبد السلام بنميس، فاعتبر، في تصريح لـ "المغربية"، أن رحيل أركون خسارة للفكر العربي، وقال إنه تعرف على هذا المفكر الإصلاحي من خلال أعماله ودراساته ومحاضراته، التي ألقاها في مختلف الجامعات العربية، وأضاف أنه متشبع بالثقافة العربية الإسلامية قبل أن يتشبع بالثقافة الحداثية الغربية.

وأشار بنميس إلى أن أركون "يعد واحدا من الإصلاحيين الحداثيين في الإسلام، مثل الراحل الجابري في المغرب. إنه جابري الجزائر في الفكر الإسلامي"، وأن له "الفضل في إدخال المناهج الحديثة في الفكر العربي الإسلامي، وفي إثارة العديد من القضايا الشائكة، والاهتمام بالقيم الحداثية مثل الإنسية والعقلانية".

وذكر بنميس أن "الفكر العربي يفقد، برحيل أركون، مفكرا مهما، وشخصية متوازنة، قدمت نقدا علميا للفكر العربي الإسلامي، وباحثا رصينا، يعود إلى المصادر، ولا يقتصر على الكتب من الدرجة الثانية أو الثالثة".

ويتمثل مشروع أركون الفكري الرصين في إنتاج ثقافة الأسئلة، بمنأى عن كافة المسلمات الجاهزة، وصولا إلى المسكوت عنه واللامفكر فيه في الثقافة العربية الإسلامية. ويحرص أركون على كشف المعوقات الذهنية والعراقيل التاريخية والاجتماعية، التي تعوق التقدم وتعرقله. يقضه سؤال العقل الإسلامي في شرطيه المعرفي والتاريخي، وكيفية تجاوز الواقع الراهن لدخول الحداثة.

وسعى أركون، عبر مسيرته العلمية، الممتدة على مدى أربعين عاما، إلى تجذير مفهوم "الأنسنة" في الفضاءين العربي والإسلامي، وظل مهتما بهذا المشروع حتى آخر أيامه، إذ كان آخر ما صدر له باللغة العربية هذا العام كتابان هما: "الأنسنة والإسلام، مدخل تاريخي نقدي"، و"نحو نقد العقل الإسلامي"، قام فيهما بنوع من المراجعة والتقويم الإجماليين لأفكاره المنشورة منذ أربعين سنة، في أزيد من 20 مؤلفا، منها "نزعة الأنسنة في الفكر العربي"، و"الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي"، و"الإسلام، أوروبا، الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة"، و"من فيصل التفرقة إلى فصل المقال... أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟"، و"الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد"، و"معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية".




تابعونا على فيسبوك