تشهد قضية الصحراء تطورات سريعة على خلفية الأحداث، التي شهدتها المنطقة، خلال هذا العام، وفي الوقت الذي تبدي بوليساريو تعصبها، أثناء المفاوضات الرسمية وغير الرسمية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة..
بدأت أصوات صحراوية من داخل المغرب، كما في مخيمات تندوف ولحمادة، تدعو إلى عدم اعتبار بوليساريو الطرف الوحيد، الذي يتعين التفاوض معه، خاصة مع بروز تيارات صحراوية من داخل المخيمات تطالب بمنحها حق التعبير عن رأيها وإبراز موقفها، كما هو الشأن بالنسبة لتيار "خط الشهيد"، ومصطفى سلمة، ومنتدى مؤيدي الحكم الذاتي في تندوف، وغيرها من التنظيمات والتيارات، التي دخلت في مواجهة مع قيادة بوليساريو، وأصبحت تطالب باستقلال القرار، والخروج عن دائرة تعليمات النظام الجزائري.
في خضم هذه التطورات السياسية والأمنية والاجتماعية، المرتبطة بنزاع الصحراء، وقضايا ذات الصلة بأمن واستقرار منطقة المغرب العربي، وكذا تزامنا مع الجولة الخامسة غير الرسمية من المباحثات بين الوفد المغربي ووفد بوليساريو، في نيويورك، يومي 22 و23 يناير الجاري، أجرت "المغربية" حوارا مع الحسن مهراوي، العضو المؤسس والناطق الرسمي باسم جمعية القبائل الصحراوية المغربية بأوروبا، وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) المقيم بباريس، الذي تطرق إلى مستقبل المفاوضات، والظروف التي تجري فيها والأطراف المتحكمة فيها، كما تحدث مهراوي عن عدم شرعية تمثيلية بوليساريو للصحراويين، مشيرا إلى الظروف والملابسات، التي اختطفت فيها بوليساريو قضية الصحراء، واستولت عليها، بإيعاز من نظام الجزائر، خلال فترة الحرب الباردة، لتكون هذه المنظمة، على مدى أزيد من 35 سنة، أداة بيد هذا النظام، لمعاكسة المغرب والاعتراض على استكمال وحدته الترابية.
وتطرق مهراوي، أيضا، إلى عدد من القضايا المرتبطة بمشروع الحكم الذاتي، والدور التخريبي للمؤسسة العسكرية الجزائرية لكل المبادرات، التي يطلقها المغرب أو المجموعة الدولية، بهدف وضع حد للنزاع، وعن الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية للشعب الجزائري، معتبرا أن "الجزائر بلد غني بشعب فقير، ووقت المساءلة حان بالنسبة لبلد المليون شهيد".
ويتضمن الحوار نهج المغرب في التعامل مع قضية الصحراء، سواء عبر مؤسسة الكوركاس، أو من خلال الدبلوماسية الرسمية أو الموازية، مشددا على دور الجالية المغربية في الدفاع عن قضايا البلاد، وكذا أحقية المغرب في ملء كافة الكراسي الدبلوماسية عبر العالم، حتى لا يترك مجالا لخصومه، وأعداء وحدته الترابية.
* انطلق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين المغرب وبوليساريو، وبصفتك تابعت الجولات السابقة، هل تتوقع نتائج؟
- كنت أود أن أجيب بالإيجاب، لكن، للأسف الشديد، ليس هناك أي معطى جديد يميز هذه الجولة غير الرسمية عن سابقاتها، فهي، في اعتقادي، تكرار لما مضى، وما مضى لم يعط أي نتيجة.
* في آخر لقاء بين الطرفين، أصرت بوليساريو على التمسك بخيار الاستفتاء، وهو الخيار الذي تعتبره الأمم المتحدة، بناء على قرارات مجلس الأمن، وكذا تقارير المبعوثين الأمميين السابقين، بيتر فالسوم، وإيريك يانسن، متجاوزا، فما هو مستقبل مسلسل المفاوضات مع بوليساريو، في ظل رفضها التفاوض على أساس المقترح المغربي، الذي يؤيده المجتمع الدولي؟
- قبل الخوض في الإجابة عن هذا السؤال، أذكر بأن مبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، هي، قبل كل شيء، تعبير عن إرادة ملكية بمنح الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا موسعا (خطاب جلالة الملك في 6 نونبر 2005)، وبلورها وناقشها أبناء الصحراء، الممثلون في الكوركاس، ثم أغنتها جميع الأحزاب السياسية والقوى الحية في البلاد، وبعدها، عرضت على دول ذات وزن سياسي دولي كبير، حتى تتلاءم مع المعايير الدولية في مجال الحكم الذاتي.
وبمجرد عرضها على الأمم المتحدة، اكتسبت صفتي الجدية والمصداقية. وتعتبر هذه المبادرة، بشهادة الكثيرين، مشروعا جريئا، وتاريخيا، وثوريا في مجال الديمقراطية المحلية، إذ، بموجبها، سيتمكن الصحراويون من ممارسة كل حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، في إطار الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية. كما اعتبرت هذه المبادرة مشروعا لتسوية تحفظ ماء الوجه للجمي، وفتح عهد جديد، يضمن للمغرب العربي آفاق مستقبل الوحدة، التي تصبو إليها جميع شعوب المنطقة.
بهذه المبادرة، تمكن المغرب من الاستجابة للمجموعة الدولية، التي دعت كافة الأطراف إلى تقديم مبادرات جادة لإخراج قضية الصحراء من المأزق، بعد ثبوت استحالة تطبيق الخيارات السابقة، بما فيها خيار الاستفتاء، لأسباب موضوعية.
ويعد رفض بوليساريو التفاوض على أساس هذا المشروع وتمسكه بخيار الاستفتاء، في ظل ما عرضته سابقا، خيارا غير مسؤول، ومرفوضا سياسيا وأخلاقيا وحقوقيا، لأنه سيعيدنا، مجددا، إلى وضع متأزم، مفتوح على كل الاحتمالات، فلا مشكل الصحراء وجد حلا، ولا المحتجزون في تندوف عادوا للعيش في وطنهم، وبين ظهران ذويهم، ولا المغرب العربي تكون.
* هناك تيارات صحراوية، داخل المغرب وخارجه، مثل خط الشهيد، وتيار مصطفى سلمة، ومنتدى دعم الحكم الذاتي في تندوف، وغيرها من التيارات الأخرى، التي تملك امتدادا واسعا في الصحراء المغربية كما في مخيمات تندوف، هل بوليساريو هي الطرف الوحيد، الذي يجب التفاوض معه، أم أنه آن الأوان لإشراك الكيانات الصحراوية الأخرى للحصول، على الأقل، على تقدم في المفاوضات؟
- أي تمثيلية سنتحدث عنها؟ الكل يعرف أنه لا مصداقية ولا شرعية لتمثيلية دون انتخابات، وبالنسبة لبوليساريو، متى جرى انتخاب قيادة الجبهة؟ أين جرت هذه الانتخابات؟ من حق لهم المشاركة في استحقاقاتها؟ كم كانت نسبة المشاركة؟ من هم المراقبون الدوليون، الذين هبوا لمراقبة هذه الانتخابات؟
ولأنه يستحيل الرد على هذه الأسئلة، فإن جبهة بوليساريو تكون اغتصبت حق الصحراويين، ونصبت نفسها ممثلا لهم.
وبسبب الدعاية المكثفة، التي قامت بها الدبلوماسية الجزائرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، استطاعت أن تسوق في المحافل الدولية أن البوليساريو هو الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، وهي أكذوبة دأبت على تكرارها، حتى أضحت كأنها حقيقة في نظر الكثيرين، لكن هذه الأكذوبة بدأت تتلاشى شيئا فشيئا، بسبب عوامل ومستجدات كثيرة، منها:
أولا، تشكيل جلالة الملك محمد السادس للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، ومشاركة المجلس في كافة الأنشطة السياسية المتعلقة بقضية الصحراء، سواء داخل المغرب أو خارجه، مثل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، وفي الجولات الأخيرة من المفاوضات، إذ اتضح للعالم أن هناك تيارات سياسية صحراوية وحدوية.
ثانيا، أمام انخراط أبناء الأقاليم الصحراوية في الاستحقاقات الانتخابية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية، لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية والإقليمية والجهوية وفي البرلمان الوطني بغرفتيه، بنسبة تجاوزت نسب كل المناطق الأخرى في المملكة، رغم دعوة البوليساريو لمقاطعتها، تأكد أنه لا تأثير لهذه الجبهة المشؤومة على أبناء الصحراء، الذين انخرطوا في المسار الديمقراطي، غير عابئين بما تفعله جبهة الانفصال.
ثالثا، حتى في تندوف، حيث تبسط البوليساريو سيطرتها على المخيمات باستعمال كل أشكال القمع، أضحت هذه الجبهة في ورطة، بعد عودة الكثير من قيادييها إلى المغرب، إضافة إلى التجاوب الإيجابي لسكان المخيمات مع مقترح الحكم الذاتي، وظهور تيار خط الشهيد، وتيار مصطفى سلمة ولد سيدي مولود.
في ظل كل هذه المعطيات، وغيرها، أظن أنه يجب على المجتمع الدولي أن يعي أن جبهة بوليساريو، التي دعاها إلى التفاوض مع المملكة المغربية، ليست لها أي أحقية لتمثيل الصحراويين، ولا تملك استقلال القرار.
* ظل النظام الجزائري الفاعل الوحيد والمؤثر في جبهة بوليساريو على مدى 35 سنة، هل لا يمكن ألا نتوقع حلا لهذا المشكل، إلا عن طريق تغيير هذا النظام لموقفه؟ وهل هناك احتمال لضغوط دولية على حكام الجزائر الفعليين لتغيير موقفهم الجامد؟
- نعم، ظل النظام الجزائري الفاعل الوحيد والمؤثر في جبهة بوليساريو، منذ ما يزيد عن 35 سنة، فهو من أوى الجبهة فوق أراضيه، وساعدها على تكوين المخيمات في تندوف، بترحيل الصحراويين البدو الرحل قهرا من الصحراء إلى هذه المخيمات، وهو من سخر المال لاستقطاب المرتزقة من الجزائر ودول الجوار، وهو، أيضا، من فتح في وجهها مؤسساته للتكوين الحربي، وهو من مدها بالسلاح والذخيرة الحية، وهو من سخر كل طاقاته الدبلوماسية للدعاية لفائدة بوليساريو، وبذلك، يعد الآمر الناهي، وما البوليساريو سوى أداة يستعملها هذا النظام لمعاكسة استكمال المغرب لوحدته الترابية.
إن النظام الجزائري هو المتحكم الفعلي في مسار المفاوضات، إن أراد أنجحها وإن أراد أفشلها.
لنفترض أن هذا النظام غير موقفه من النزاع، وانخرط إلى جانب المجموعة الدولية في تبني مقترح الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب، ماذا سيكون بإمكان جبهة بوليساريو أن تفعله؟ هل لديها القدرة على التمسك بخيار الاستفتاء؟ أو لنفترض أن بوليساريو قبلت بالمفاوضات حول مشروع الحكم الذاتي دون إرادة الجزائر، ماذا سيقع؟ كل ما يمكن أن تفعله الجزائر، هو سحب جوازات السفر الجزائرية، التي بحوزة قياديي الجبهة، الذين سيجدون أنفسهم دون هوية، محاصرين في تندوف، شأنهم شأن آلاف الصحراويين، الذين احتجزوهم في أسوء مخيمات في العالم، فأين سيلجأون؟ هنا سيتذكرون القولة التاريخية لجلالة المغفور له الحسن الثاني، إن "الوطن غفور رحيم".
فالحل، إذن، بيد النظام الجزائري، ولا أحد غير هذا النظام، اللهم إلا إذا هدى الله قادة جبهة بوليساريو إلى خيار الالتحاق بوطنهم، شأنهم شأن من سبقوهم.
ألم يحن الوقت لإنهاء هذا الصراع؟ ما الفائدة من معاكسة المغرب وإعاقة بناء الاتحاد المغاربي؟ أليس حريا بالنظام الجزائري أن يرفع يده عن هذا المشكل، حتى تتسنى معالجته، ويكون بذلك فتح أبواب الأمل والثقة بين الشعبين، المغربي والجزائري، وما يمكن أن ينتج عن تقاربهما من تداعيات إيجابية على كل شعوب المنطقة؟
* تشكل الجزائر الآن، بسبب ظروفها السياسية والاقتصادية والأمنية، أرضا خصبة لتنامي الجماعات الإرهابية، هناك بصمات جزائرية في ما وقع في العيون وفي امغالا، وكذا اختطاف السياح الأجانب وقتلهم، إضافة إلى تنامي دور القاعدة في منطقة الساحل، فهل حان الوقت لمساءلة النظام الجزائري، الذي تشهد تقارير أمنية وإعلامية وسياسية بتورطه في الاستفادة من وجود التنظيمات الإرهابية لضمان استمراره؟
- إن النظام الجزائري الحالي هو المسؤول عن هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في هذا البلد، فهو من أجهض المسار الديمقراطي في عهد الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، وما نجم عن ذلك من حرب أهلية، ذهب ضحيتها أزيد من 200 ألف قتيل، وآلاف المفقودين والمعتقلين، وما رافقها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ومن نتائج حكم هذا النظام ، أيضا، تكوين جماعات إسلامية متشددة، تحولت في ظل القمع إلى جماعات إرهابية، أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، وأطلقت على نفسها اسم " تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي".
ففي السنوات الأخيرة، تجاوز عمل هذه الجماعات الإرهابية النطاق الجغرافي للجزائر، وأصبحت تخطف الرهائن وتقتلهم في مجموعة من دول الجوار، مثل موريتانيا، ومالي، والنيجر، وسعت إلى التوغل في الأراضي المغربية، التي كان ممكنا أن تكون مسرحا لمجازر دامية، لو لا يقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، التي تمكنت من إلقاء القبض على إرهابيين، واكتشاف مخابئ للأسلحة في امغالا.
النظام الجزائري مسؤول، أيضا، عن تبديد خيرات الشعب الجزائري، وما ترتب عن ذلك من فقر وبطالة وإحساس بـ"الحكرة"، حتى تفشت ظواهر غريبة، من قبيل الانتحار حرقا، والموت في قوارب الهجرة السرية، رغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى، وهروبا من الحال المأساوي، فإلى متى سيظل هذا النظام منبعا لعدم الاستقرار؟ وإلى متى ستظل الجزائر البلد الغني والشعب الفقير؟ حان وقت المساءلة.
* تؤكد تقارير أمنية واستخباراتية دولية أن بوليساريو متورطة في عمليات لوجستيكية لدعم الإرهابيين، أليس هذا كافيا لإعادة صياغة طرح قضية الصحراء على الصعيد الأممي والدولي، وعلى صعيد المنطقة، واختيار طريق أقرب لإنهاء هذا المشكل لمنع انتشار مزيد من الإرهاب؟
- نعم، أكدت تقارير استخباراتية دولية عدة، من بينها اللجنة المكلفة بالأمن القومي في الكونغرس الأمريكي، وتقارير المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن، وتقارير الاستخبارات البريطانية والألمانية، أن جبهة بوليساريو متورطة في دعم إرهابيي القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي، إذ أصبحت الأخيرة تستفيد من ترسانة بوليساريو، وخبرة مليشياتها، التي لها دراية بدروب الصحراء ومواقع الماء، ونتج عن تقارب هاتين المنظمتين شراكة تجارية، تدور حول تهريب البشر والمخدرات والأسلحة، ما يهدد أمن واستقرار، ليس فقط بلدان المغرب العربي أو الساحل والصحراء، وإنما، أيضا، أمن واستقرار المنطقة الأورو متوسطية والعالم بأسره، خاصة بعد مبايعة تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي لبن لادن. وطبقا لهذه المعطيات، يتعين على المجتمع الدولي أن يضغط بما فيه الكفاية على الجزائر وجبهة البوليساريو، لإيجاد حل سريع لهذا المشكل، حتى يتسنى وضع حد لمزيد من الإرهاب.
* يعرف قياديو جبهة بوليساريو أنهم يستهلكون أموال الشعب الجزائري، إذا حدثت ثورة في الجزائر، ماذا سيكون مصير بوليساريو؟ أليس حريا بقياديي الجبهة أن يراجعوا حساباتهم، قبل فوات الأوان؟
- صحيح، إنه في حال نشوب انتفاضة شعبية في الجزائر، فإن قيادة بوليساريو ستكون من بين المستهدفين لا محالة، ففي سنة 1988 حطم المتظاهرون في الجزائر العاصمة سفارة بوليساريو، وكادوا يعيدون الكرة في مظاهرات أوائل هذا الشهر، لولا الانتشار المكثف لأجهزة الأمن حول هذه البناية.
الشعب الجزائري لا علاقة له ببوليساريو، وحرام أن تسخر أموال خيراته، التي كان من المفروض أن تستغل في مشاريع تعود على الجزائريات والجزائريين بالنفع، لملء جيوب قادة بوليساريو، ليس لشيء، وإنما فقط ظلما وعدوانا على المغرب، الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل استقلال الجزائر.
* نعود إلى الشأن المغربي، بصفتكم عضوا في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، سبق أن دعا جلالة الملك محمد السادس، في خطاب بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، إلى الاهتمام بالعنصر الشبابي في الوسط الصحراوي، هل هناك توجه لدى الكوركاس لربط علاقات مع الفعاليات الشابة وإشراكها في الحوار والنقاش؟
- الاهتمام بالعنصر الشبابي في المجتمع الصحراوي، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس في أكثر من خطاب، كان من أولويات المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، فالشباب، من الرجال والنساء، الذين عينهم جلالة الملك في هذا المجلس، كانوا يعرفون جيدا هموم وطموحات هذه الشريحة من المجتمع، وعبروا عنها في كافة دورات المجلس، العادية منها والاستثنائية، كالتي خصصت للتعليم والتكوين والصحة والشغل والسكن والصيد البحري، إضافة إلى دورات خصصت لمشروع الحكم الذاتي، فالتواصل موجود، ومن المنتظر أن يتطور، بعد الإعلان عن لائحة أعضاء المجلس الجديد، الذي سيشهد تغييرات في تركيبته وكيانه وصلاحياته، حتى يتسنى له، بشكل أكبر، أداء الدور المنوط به على أكمل وجه.
* يستعمل إعلاميون مسؤولون في مؤسسات رسمية اصطلاح انفصالي الداخل، علما أن الأمر يتعلق بعملاء لحساب مشروع تموله دولة أجنبية ضد المغرب، كما يستخدم بعض المسؤولين مصطلحات بشكل عشوائي وفي غير محلها، ما هي خطورة هذا الأمر؟ وكيف يجب معالجته؟
- يقول الكاتب الفرنسي الراحل، ألبير كامي، إن "تسمية الأمور بشكل خاطئ، هي إضافة المزيد من التعاسة إلى العالم".
إن استعمال المصطلحات بشكل خاطئ يعتبر، في نظري، أمرا خطيرا ومجانبا للحقيقة، ويمكن أن تكون له، في بعض الحالات، تداعيات سلبية جسيمة، لذا يرجى ألا نتعامل مع بعض المصطلحات بعشوائية ولا مبالاة، ففي ملف قضية وحدتنا الترابية، يعد استعمال بعض المصطلحات، التي لا نعيرها أي اهتمام، مسألة تخدم مصالح خصومنا، إذ توصلت دعاية بوليساريو إلى أن تجعل من المجتمع الصحراوي المغربي "شعبا، الشعب الصحراوي"، بتكرار هذه الأكذوبة على مدى 35 سنة، فأصبحنا نسمع بعض الإعلاميين والسياسيين يرددونها دون الانتباه إلى خطورتها، كما استطاعت الجزائر بوليساريو أن تجعلا من مناصريهما، الذين يستفيدون من أجواء حرية التعبير في المغرب لإشهار دعمهم لبوليساريو، بمثابة "حقوقيين"، علما أن الحقوقي هو من يدافع عن حقوق الإنسان أينما انتهكت، وليس الذين يدعون أنهم حقوقيون ويقفون إلى جانب من ينتهك حقوق الإنسيان في بلاد المليون شهيد، كما في مخيمات تندوف ولحمادة.
أتفق معكم أن مصطلح "انفصالي الداخل" لا يمكن أن ينطبق على من أجرم في حق بلده، بإشهار العمالة لحساب مشروع عدواني، تموله دولة أخرى، إذن، لنكن صارمين في التعامل مع هذه المصطلحات بحذر وبروح مسؤولة.
* تقيمون الآن في باريس، وكما رأينا، فالجالية المغربية في المهجر كان لها دور رائع حيال قضية الصحراء، سواء في التصدي للحملات الإعلامية والسياسية، التي استهدفت المغرب على خلفية أحداث العيون، أو من خلال الدفاع عن مصطفى سلمة، ما ذا يتعين على المغرب للاستفادة بشكل فعال من القوة الدبلوماسية، التي يمكن أن يوفرها حوالي 4 ملايين مغربي ومغربية عبر العالم؟
- الجالية المغربية تمثل عشر سكان المغرب، وتوجد في جميع بلدان العالم، وساهمت وما زالت تساهم، في النمو الاقتصادي للمغرب، بجلب العملة الصعبة. ويمكن أن يستفيد الوطن من خبراتها في جميع الميادين، فحتى الجيل الثالث، الذي ازداد وكبر بعيدا عن مسقط رأس أجداده، ظل متشبثا بأصله المغربي، ويسعى جاهدا لخدمة بلاده، تماما كما هو الشأن في المجال الرياضي. إن مغاربة المهجر جنود مجندون وراء جلالة الملك للدفاع عن مصالح المغرب السياسية والاقتصادية والثقافية، وكي يكون لعملهم فعالية أقوى، يجب إرساء قواعد تواصل، تمكنهم من إثراء معرفتهم، والتمكن من الأساليب السليمة والقوية للدفاع بكل حزم ونجاعة عن مواقف المغرب وقضاياه.
* نلاحظ أن الاتحاد الأوروبي لا يتوفر على وزن في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وأن الحضور القوي، هو من نصيب الولايات المتحدة، ألا يمكن القول إن المغرب بالغ في إعطاء الاتحاد الأوربي حجما، كان ينبغي أن يؤول جزء منه إلى الولايات المتحدة، التي تملك مفاتيح الملفات، وتتوفر المملكة، مسبقا، على اتفاقات اقتصادية وأمنية وسياسية معها؟
- لا أتفق معكم في هذا الطرح، فالاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية كبرى، وفيه دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، هما فرنسا وبريطانيا، وتربطهما بالمغرب علاقات تاريخية متينة، وعلينا أن ندعم هذه العلاقات لما فيه صالح بلادنا، وبالإرادة نفسها، يجب تعزيز علاقاتنا مع الولايات المتحدة، التي، هي الأخرى، لنا معها مصالح مشتركة وتربطنا بها علاقات وطيدة، ولها تأثير فعال على الأحداث العالمية.
وللدفاع عن وحدتنا الترابية ومصالحنا الاقتصادية، يجب توطيد علاقتنا أيضا مع روسيا، والصين، والهند، ودول عدم الانحياز، والجامعة العربية، والدول الإسلامية، ومجموعة الساحل والصحراء، ودول أميركا اللاتينية، والبلدان الإسكندنافية، ودول الاتحاد الإفريقي، ولم لا، مع كل دول العالم فالدبلوماسية، كالطبيعة، لا تحب الفراغ.
* هل يمكن اعتبار الأحداث، التي شهدتها تونس، رسالة ينبغي الاستفادة منها للتفكير بجد في بناء تكتل مغاربي، يشترك في مبادئ تقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمان التنمية البشرية؟
- يجب الاستفادة من كل حادث، وأعتقد أن أهم ما يتعين استنتاجه من ثورة الياسمين الشعبية في تونس، وهي ما زالت مستمرة، تنشد تغييرا شاملا وراديكاليا، هو أن الأنظمة في المنطقة، وعبر كافة البلدان العربية والإسلامية، يفترض أن تكون استلهمت الدرس، وعرفت أن البلدان الكبرى، التي كانت تحميها في السابق، قررت أن تشرع في تغييرها، بناء على معطيات اجتماعية وسياسية، للتحكم مستقبلا في خارطة عربية نظيفة، مقارنة مع الخارطة الحالية.
وفي هذه الحالة، أرى أن منطقة المغرب العربي أصبحت تمثل اهتماما متزايدا للقوى الدولية الراغبة في التغيير، فكما رأيتم، الرئيس التونسي، الذي خلعته ثورة الشعب، لم يكن مرحبا به في الغرب، ولهذا، يجب على قيادات بعينها في المنطقة أن تسارع بوضع حلول عاجلة، تتعلق بالتنمية البشرية، وتعيد حساباتها الإقليمية، وتفكر في مستقبل الفضاء المغاربي المفتوح، الذي لن يتأسس إلا باعتماد الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة، وليس بالتعصب والديكتاتورية، والكيد للجيران ،والاعتداء على حقوقهم وممتلكاتهم الجغرافية والتاريخية.