الشباب المحزب: كرة تجديد النخب في مرمى الأحزاب

الأحزاب السياسية تواجه اختبار التشبيب في 25 نونبر

الإثنين 03 أكتوبر 2011 - 09:23

عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التشريعية أو الجماعية، تعود للواجهة الصراعات وحروب منح التزكيات وتحديد وكلاء اللوائح داخل الأحزاب السياسية.

وغالبا ما يغيب عن الأذهان، خلال تدبير هذه المرحلة، حضور الشباب في هذه المعارك الممهدة للانتخابات، إلا أن عددا من المراقبين يعتبرون أن الأحزاب السياسية ستجد نفسها "مكرهة" على التجاوب مع الشباب وتطلعاته، بعد أن تعالت أصوات الشبيبات الحزبية والجمعوية المطالبة بالحق في التمثيلية السياسية وولوج البرلمان.

اللائحة الوطنية وتمثيلية الشباب في مجلس النواب

شكلت اللائحة الوطنية للشباب منعطفا جديدا في المشهد السياسي ببلادنا، وإجراء اعتبره البعض استثنائيا لحل إشكالية تمثيلية الشباب، في مجلس النواب خلال استحقاقات نونبر المقبل، بتخصيص ثلاثين مقعدا للشباب في اللائحة الوطنية، التي جرى اقتراحها، من خلال مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب.

يقتضي التوجه العام، الذي أملته الظرفية السياسية ورياح التغير، ضخ دماء جديدة في شرايين الساحة السياسية، التي أضحت تعاني من شيخوخة متقدمة لنخبها، الأمر الذي جعل هذه المبادرة تلقى ترحيبا واسعا في أوساط العديد من النخب الشابة داخل الأحزاب السياسية، حيث ستشكل آلية فعالة وداعمة ستمكنهم من ولوج الحياة السياسية والمشاركة في صنع القرار من خلال التمثيلية في المؤسسة التشريعية.

اليوم وقبل أي يوم مضى، أمام الشباب فرصة تاريخية وموضوعية من خلال التنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور الجديد، الذي ينص في الفصل 33 على ضرورة توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد.

التوريث السياسي

إلا أن بعض المحللين المتتبعين للشأن السياسي المغربي حذروا من مغبة أن تتحول اللائحة الوطنية لوسيلة توريث سياسي وأداة لتمييع العمل السياسي، تساهم في عرقلة عملية الانتقال الديمقراطي، إذ اعتبر أحمد الحضراني، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، أن اعتماد لوائح للشباب تعد بمثابة تعيين سياسي، بعيدا عن منطق الانتخاب والآلية الديمقراطية، التي تستدعي النزول للميدان من خلال اللوائح المحلية والمشاركة في الاقتراع المباشر.

كما شدد الحضراني، على ضرورة دمقرطة الأحزاب والتخلي عن بعض الممارسات داخل هياكل الأحزاب، مثل المشيخة السياسية التي تحول دون أن يجد الشباب موطئ قدم في تحمل المسؤولية الحزبية.

وأوضح كذلك، أننا في المغرب لم نكن في حاجة لهذه اللوائح لو ساهمت الأحزاب في إدماج نخب شابة في هياكلها، ومختلف قطاعاتها، وبالتالي القطع مع هذه الأداة التشريعية التمييزية، التي قد تصبح مطلبا لفئات أخرى في المجتمع.

معايير الاختيار

حسب ميلود بلقاضي، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، المشكل المطروح، الذي يطفو على الواجهة، مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي تكلم عن اللائحة الوطنية للشباب وعن عدد المقاعد وسن الترشيح الذي حدد في أربعين سنة، إلا أنه أغفل القضية الأهم، بحيث لم يحدد المعايير لاختيار هؤلاء الشباب، وأضاف أن التخوف المطروح هو أن تلجأ النخب السياسية والقيادات الحزبية إلى تعيين أبنائهم وعائلاتهم وأصدقائهم والمقربين منهم، وبالتالي سنقع في إشكالية التوريث السياسي داخل البرلمان.

وأضاف ميلود بلقاضي أن العديد من الشباب يرفضون هذه اللائحة بهذا الشكل، نظرا لأنهم يودون في لائحة خاصة للشباب وفق ما جاءت به مقتضيات الدستور الجديد، الذي ينص على خلق مجلس خاص للشباب.

ويبقى الأساسي، في نظر ميلود بلقاضي، هو مناقشة المعايير التي سيجري من خلالها اختيار ممثلي الشباب في تلك اللوائح، كما لا يجب أن نراهن على اللائحة الوطنية لوحدها لدعم التشبيب السياسي، بل يجب على الأحزاب تزكيتهم كوكلاء لوائح محلية، ووضع رهن إشارتهم كل الإمكانيات المادية واللوجيستيكية للنجاح.

شباب يتهمون أحزابهم بتغييبهم عن اللائحة المحلية

يثير حضور الشباب على رأس اللوائح الانتخابية المحلية نقاشا وصراعا قويا، قبيل موعد الانتخابات، إذ غالبا ما يقصى الشباب من هذه اللوائح، ويعوضون بمن يعتبرهم البعض "كائنات انتخابية"، تفرض نفسها بطريقتها الخاصة ووسائلها الذاتية على رأس اللوائح المحلية.

كوطا الترشح

ورغم حرص الخطابات السياسية على تسويق معطى التشبيب داخل هياكلها، إلا أن واقع الممارسة، حسب يوسف منصف، أستاذ باحث في المركز المغربي للعلوم الاجتماعية، يخالف الخطاب السياسي، معتبرا أن الترشح للانتخابات يجب أن يكون حقا مفتوحا ويحترم العمل الديمقراطي، لكن وجود "الكوطا" كضمانة، حسب المتحدث، يتيح للشباب الوصول إلى مراكز القرار، "لأن الحقل السياسي في المغرب مشفر ولا يتيح للشباب المشاركة في العمل السياسي بشكل فاعل".

تطمح أغلب الشبيبات الحزبية، التي تحدثت مع "المغربية"، بأن تفتح الانتخابات المقبلة، السابقة لأوانها، الباب أمام نخب جديدة باستطاعتها ترجمة انتظارات الشباب والمجتمع المغربي، الذين يشكلون أزيد من 34 في المائة من المجتمع المغربي. وفي هذا الإطار أشار عبد العالي مستور، رئيس منتدى المواطنة، إلى أن حضور الشباب ومشاركته في القرار أصبح اليوم ضرورة سياسية ومجتمعية وتاريخية، نظرا لحجمه الاجتماعي وإمكاناته المعرفية والثقافية والسياسية والنجاح، الذي يحققه الشاب المغربي، وأوضح مستور قائلا إن "هذا المعطى لا ينعكس على الموقف السياسي في البلاد وعلى صنع القرار الوطني، وعلى موقع الشباب المغربي في الحياة السياسية والمؤسسات وفي صنع القرار".

سلطة المال

من بين العوائق التي تحول دون تضمن اللوائح المحلية للانتخابات للشباب، عجزهم عن تموين الحملات الانتخابية، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سلطة المال، إذ أوضح يوسف منصف أن الشاب لا يمكنه أن يمول حملة انتخابية، معدل تمويلها يتجاوز 200 مليون سنتيم، وأضاف "لهذا السبب يجب أن تمنح الأحزاب دعما ماديا للشباب ولوجستيكيا، لأنه لا يجب أن ننسى أن هذه الأخيرة مدعمة من قبل الدولة".

تحمل مجموعة من الفعاليات الشبابية المحزبة المسؤولية الكاملة لإقصاء الشباب من اللائحة المحلية للترشح إلى النخب السياسية، التي تراهن على المقاعد البرلمانية والجماعية عوض منح الفرصة للشباب، وتدعيمهم للوصول إلى مركز القرار، واعتبر صلاح الدين مبروم، عضو الكتابة العامة لشبيبة العدالة والتنمية، أنه لو كانت هناك إرادة لدى النخبة السياسية لتجديد النخب، لكانوا سباقين إلى مساندة الشباب ودعمهم في مسارهم السياسي، خاصة في ظل هذا الحراك السياسي الذي يشهده العالم العربي، وأضاف "كنا سنجد الشجاعة لدى الأحزاب لإعطاء فرصة للشباب، لأنهم مؤهلون أكثر لتقديم إضافة نوعية للعمل السياسية في المغرب".

من جهته يرى خالد لشهب، عضو تنسقية الدارالبيضاء في شبيبة التجمع الوطني لأحرار، أن هناك صعوبات كبيرة تواجه الشباب والطاقات الجديدة للوصول لمركز القرار، بسبب من سماهم "وجوها قديمة"، الذين يحاولون بكل قوتهم قطع الطريق أمام وصول الشباب لمراكز القرار وإبراز طاقتهم، وأكد لشهب أن هذا الوضع ليس حكرا على حزب ما، بل يسود في جل الأحزاب السياسية.

يذكر أنه دفاعا على فكرة تمثيلية الشباب داخل المشهد الحزبي، تأسست أخيرا "حركة الشباب المغربي من أجل التمثيلية السياسية الآن"، وتضم الحركة مجموعة من شبيبة الأحزاب وما يقارب 45 منظمة من المجتمع المدني.

المنظمات الشبابية.. اختلاف في التنظيم والهيكلة

الحسين ابنكسر
تختلف الهياكل التنظيمية للمنظمات الشبابية من حزب لآخر، ومن تنظيم سياسي لآخر، كل حسب توجهاتهم الإيديولوجية والثقافية، وأيضا حسب تراكماتهم التاريخية والنضالية .

يُقر المتخصصون والمهتمون بالشأن السياسي والحزبي أن هناك اختلافا كبيرا وجوهريا بين مختلف التنظيمات السياسية الشبابية في الساحة السياسية المغربية، إذ منها من يمتلك هياكل تنظيمية كبيرة وعريقة، لها رصيد سياسي غني بالتجارب النضالية، التي واكبت العديد من المحطات التاريخية السياسية، كما يوجد في الساحة السياسية للشباب تنظيمات فتية، لم تراكم بعد رصيدا كافيا لتتضح معالم مشروعها المجتمعي.

والواضح أن التعاطي الفعلي مع هياكل التنظيمات الشبابية يستلزم توسيع القاعدة التنظيمية، عن طريق إنشاء تمثيليات فرعية شبابية لتغطية مختلف الجهات والأقاليم، الشيء الذي يوفر للحزب امتدادا واسعا وشاملا داخل النسيج المجتمعي للشباب المغربي.

تُوفر الفروع والهياكل التنظيمية الشبابية قواعد جماهيرية أساسية، يسهل من خلالها التواصل السياسي والشعبي، الذي يساهم في نشر أفكار المؤسسات الحزبية، كما يضمن هذا التنظيم للهياكل الشبابية التجديد المستمر للنخب، إذ يشكل خزانا مهما ومشتلا لمختلف الطاقات الشبابية.

ويبقى الإشكال قائما بالنسبة للعديد من الأحزاب، التي تغفل الدور المهم الذي تلعبه المنظمات الشبابية، واستحضارها فقط في المناسبات الانتخابية، إذ لا تتوفر شبيباتها على أي دور تنظيمي أو سياسي يذكر، سوى المساهمة في الحملات الانتخابية، من خلال توزيع المنشورات وترديد الشعارات في المحافل الانتخابية.

الإسهام الجدي والفعال لتطوير الشبيبات الحزبية يتطلب مواكبة ودعما كبيرين لأجهزتها وهياكلها، من خلال توفير إطارات تستجيب لمعايير حديثة، مجهزة بمختلف التقنيات والوسائل التكنولوجية واللوجستيكية، لمسايرة متطلبات الشباب العصرية.

يظل الواقع التنظيمي للمنظمات الشبابية رهينا بتفعيل الديمقراطية الداخلية بالهياكل التنظيمية للمنظمات الشبابية، كما يعد رهانا كبيرا لضمان حضور واستقطاب الشباب العازف عن ممارسة النشاطات السياسية في الساحة الوطنية.

سن ترشح الشباب يثير نقاشا صاخبا

عثمان الرضواني

طُرحت إشكالية السن بحدة داخل الأحزاب، بعد دخول الأخيرة معركة منح التزكيات وتحديد رؤساء اللوائح، إذ هناك من حصر فئة الشباب، التي يجب أن تشملهم لائحة الترشح في ما بين 23 و30 سنة، وهناك من يعتبر أنها تمتد إلى 35 سنة في حين ذهب البعض إلى تبني 40 سنة كأقصى حد.

فبينما يرى عدد من المتتبعين أن مسألة السن، إذا ما كانت لها أهمية، كشرط أساسي في الترشح إلى المجالس التمثيلية، فإن هذه المعطى لا يبدو ذا أهمية، إذا لم يجر التركيز على شروط موضوعية أخرى، مثل الكفاءة والخبرة والتجربة في تدبير الشأن العام وحسن السلوك، بالخلو من السوابق الجنائية والمخالفات القانونية، وتقديم مشاريع مستقبلية مقنعة للنهوض بالأوضاع المجتمعية.

وأكد عبد العالي مستور، رئيس منتدى المواطنة، أن الهروب إلى مسألة السن أو لائحة النساء والشباب، يخفي أحيانا إرادة إقصاء الشباب والنساء من اللعبة السياسية، واعتبر أن الدولة ملزمة سياسيا ووفق المرحلة التاريخية وخطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والمقتضيات الدستورية، بأن تنص على تدبير قانونية واضحة لمشاركة الشباب، وقال "حين نحسم في هذا المعطى، يمكن أن نطرح إشكالية السن، التي يدور حولها نقاش عام".

وفي الوقت، الذي يري البعض أن تحديد سقف أربعين سنة يبقى محددا موضوعيا ويتلائم مع التركيبة الديمغرافية والاجتماعية في المغرب، يجد البعض الآخر في ذلك محاولة لتكريس الوضع القائم منذ سنوات، ويضمن وصول وجوها تعودت على حضورها في اللوائح الانتخابية للأحزاب، إذ أكد يوسف منصف، أستاذ باحث في المركز المغربي للعلوم الاجتماعية، أن تبني 40 سنة كحد أقصى للشباب، له اعتبارات سياسية وليس له ما يبرره سوسيولوجيا أو إحصائيا، لأن الأحزاب المغربية حسب المتحدث نفسه، تعدت شبيبتها الحزبية سن 40، ولأنها لم تنهج سياسة التشبيب داخل هياكلها التنظيمية.

يشار في السياق ذاته أن الأمم المتحدة لم تضع محددا في تحديد الشباب، وأتاحت لكل المجتمعات تحديد السن، لأن هناك اختلاف بين الدول على تحديد هذه الفئة من المجتمع، إذ أن تعبير الشباب هو معطى سياسي واجتماعي أكثر منه معطى ديمغرافي، حسب مستور.

يذكر أن مجموعة من الأحزاب نادت بشكل فردي وجماعي بتخفيض سن التصويت إلى سن 18 سنة من أجل ضمان مشاركة حوالي مليون ونصف من الناخبين في العملية الانتخابية، كما أنها كانت تنادي بتخفيض سن الترشيح إلى 21 سنة، وهو ما لم تستجب له الدولة إلا بعد حوالي عقدين من الزمن، حيث عملت على تخفيض سن التصويت إلى 18 سنة عوض سن 20 سنة وعملت على تخفيض سن الترشيح إلى 23 سنة فقط، قصد فتح الباب لفئة واسعة من الشباب، الذي كان مؤمنة بدور العمل السياسي في تغيير الواقع الاجتماعي.




تابعونا على فيسبوك