في دجنبر 1975، وبعد قيام المغرب في السنة نفسها بالمسيرة الخضراء في اتجاه صحرائه المستعمرة من طرف إسبانيا واسترجاعها، كانت الجزائر تنظر إلى الأمر بعين الريبة، فلم تجد سبيلا سوى طرد حوالي 45 ألف أسرة مغربية تقطن بشكل قانوني فوق التراب الجزائري
مما يزكي العداء الدفين للجزائر تجاه المغرب. اليوم تحل هذه الذكرى ومعها 36 سنة من الآلام، التي تندمل بعد جراء طرد قسري لم يستند إلى أي أساس.
هم مغاربة حتى النخاع، قادتهم الظروف إلى الاستقرار بالجزائر، عددهم يتجاوز 350 ألف مواطن، اعتقدوا أن المغرب والجزائر تجمعهما روابط الأخوة والتاريخ والمصير المشترك، كما أن هاجس أغلبهم كان هو الجهاد إلى جانب الجزائر في حربها ضد الاستعمار، مما حذا بهم إلى اتخاذ هذه الدولة وطنا، لكن هذا الهاجس وكل ما قدموه للثورة الجزائرية لم يكن أبدا ليشفع لهم ضد المصير الذي ينتظرهم.
كان على رأس هرم السلطة الرئيس الهواري بومدين، والذي كان يكن عداءا دفينا ضد المغرب، فكانت رغبته أن يكدر صفو فرحة المغاربة الذي احتفلوا بنجاح المسيرة الخضراء وخروج الاستعمار من الصحراء المغربية، فقام بعيد شهر من حدث انطلاق المسيرة ( أي دجنبر) بحشر 45 ألف أسرة مغربية في شاحنات يوم عيد الأضحى الذي لم يكن مباركا على المغاربة القاطنين في الجزائر آنذاك وعلى المغرب كذلك، وجرى رمي الجميع على مقربة من الحدود المغربية – الجزائرية.
تركوا كل شيء...
اتخذت السلطات الجزائرية قرار الطرد بسرعة فائقة وجرى تنفيذه بسرعة فائقة كذلك، وهو ما لم يترك للمغاربة الفرصة لتدبير أملاكهم أو أمتعتهم، فتركوا كل شيء وعادوا وكلهم حسرة ضد قرار جائر اتخذ دون أدنى اعتبار، منهم من ترك أبناءه ومنهم من ترك زوجته ومنهم من عاد دون آبائه...
ويحكي العديد من المغاربة المطرودين من الجزائر أن قوات الأمن والقوات السرية كانت تقتحم منازل المغاربة تحت جنح الظلام وتكبل كل من في المنزل وتقتادهم نحو شاحنات كانت مخصصة لذات الأمر. مأساة حقيقية إذن، تلك التي قام بها نظام هواري بومدين في حق مغاربة لا ذنب لهم بتهجيرهم قسريا وتشتيت أواصرهم وسلب ممتلكاتهم، كما تعرضوا لأبشع الممارسات عند نقط التفتيش في اتجاه الحدود بشكل مهين ولا إنساني.
تحريك ملف المغاربة المطرودين
بعد سنوات على قرار الطرد وتشريد العديد من الأسر المغربية المقيمة بشكل قانوني فوق التراب الجزائري. انتظم المطرودون في شكل هيئات جمعوية هدفهم اعادة الاعتبار للمطرودين. فالجزائر صمت آذانها تجاه هؤلاء، فلم يكن لهم من سبيل سوى طرق باب المنظمات الحقوقية الدولية من أجل إنصاف 350 ألف مواطن مغربي، ففي 10 ماي من سنة 2010 صادقت اللجنة الدولية لحماية حقوق المهاجرين العمال على توصيات بحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم.
كما أوصت اللجنة باتخاذ تدابير من قبل الجزائر لرد الاعتبار للملكية المشروعة للمغاربة ضحايا الترحيل التعسفي وتعويضهم بشكل عادل ومناسب، فضلا عن تيسير جمع شمل العمال المهاجرين المغاربة مع أفراد عائلاتهم الذين بقوا في الجزائر. وفي شهر يونيو من سنة 2010، وضعت جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي ملفا متكاملا عن خروقات الجزائر خلال طردها للمغاربة من فوق أراضيها لدى مجموعة من الهيئات الحقوقية، وذلك خلال انعقاد الدورة 14 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف. كما جرى وضع ملف لهذه القضية بمقر هيئة الاتحاد الأوروبي.
لا شيء غير جبر الضرر
يقول أغلب المغاربة المطرودين إن أي تعويض منح لهم الآن فهو لا يوازي مرارة ما تعرضوا له على أيدي نظام متجبر نكل بهم واستحيى نساءهم دون سبب، لكنهم ولكي لا يظل الأمر غصة في قلوبهم، فإنهم يرفعون مطالب أساسها اجتماعي بالدرجة الأولى ومنها إنعاش وتحريك أعمال اللجنة الاجتماعية والقنصلية بين المغرب والجزائر، المكلفة بشؤون وقضايا ملف المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر سنة 1975 والعمل على تعويض العمال أو زوجاتهم الأرامل الذين يحملون أرقام صناديق التقاعد الجزائري، وكذا تفعيل العمل بالاتفاقية الدولية الخاصة بتبادل وتحويل المعاشات بين البلدان، خاصة بين المغرب والجزائر.
بالإضافة إلى مطالبة الدولة الجزائرية بتعويض الضحايا عن الممتلكات التي استولت عليها ومنح أهاليها حرية التصرف فيها، مع العلم أن الجزائر سنت قانونا يمنع المغاربة من بيع ممتلكاتهم العقارية سنة 1963. كما يطالب المرحلون قسرا بتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم، وذلك من خلال قيام الدولة الجزائرية بتقديم اعتذار رسمي لهؤلاء، كما تفعل الآن مع فرنسا التي تطالبها باعتذار عن سنوات الاستعمار والتجارب النووية في صحراء "الرقان"، كل ذلك من أجل جبر ضرر الضحايا وإنصافهم.
قال ميلود الشاوش، رئيس جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، لـ "المغربية"، إن الجمعية حرصت على المستوى الدولي على تدويل القضية بحيث وضعت الجمعية مذكرة لدى هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 25 مارس 2010 وكانت من نتائجها التوصيات الصادرة من لجنة حقوق العمال المهاجرين الأممية بتاريخ 10 ماي 2010، وأضاف أن ملف المطرودين متشعب و فيه شق مدني وشق جنائي، والمدني كل ما تعلق باسترجاع الممتلكات وتحويل المعاشات المرصودة في الخزينة الجزائرية منذ 1975.
أين وصل ملف المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر وطنيا ودوليا؟
ملف المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر عرف عدة تطورات إن على المستوى الوطني أو الدولي، فعلى المستوى الوطني جرى التعريف بالملف و تحميل المسؤولية للحكومة المغربية والأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمجتمع المدني، من خلال تنظيم ندوات و تظاهرات علمية و حملات تحسيسية و قوافل بين المدن المغربية، من أجل جلسات استماع مع الضحايا وملء استمارات، بالإضافة إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارة أو القنصليات الجزائرية أو مقر الأمم المتحدة. أما على المستوى الدولي فقد حرصت الجمعية على تدويل القضية بحيث وضعت الجمعية مذكرة لدى هيأة الأمم المتحدة بتاريخ 25 مارس 2010 وكانت من نتائجها التوصيات الصادرة من لجنة حقوق العمال المهاجرين الأممية بتاريخ 10 ماي 2010، كما شاركت الجمعية في أشغال دورات مجلس حقوق الإنسان بجنيف السويسرية خلال الدورات: 14 و15 و16 و17، والاتصال بالمنظمات الدولية الحقوقية قصد التعريف بالملف، كما أن الجمعية نظمت ندوات دولية بجنيف وبروكسيل ودكار السينغالية حضرها خبراء دوليون ومحامون أجانب من أجل إيجاد تكييف قانوني لعملية الطرد التعسفي، بالإضافة إلى أن الجمعية شاركت و نظمت ملتقيات إقليمية مغاربية من أجل التواصل مع المجتمع الجزائري من كل الأطياف.
اللجنة الدولية لحماية حقوق المهاجرين العمال أصدرت السنة الماضية توصيات بحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم بالجزائر، لماذا تتابعوا الملف دوليا انطلاقا من مقررات هذه اللجنة؟
هذا الملف متشعب وفيه شق مدني وشق جنائي، فالمدني كل ما تعلق باسترجاع الممتلكات و تحويل المعاشات المرصودة في الخزينة الجزائرية منذ 1975 و الحقوق المادية للعمال المهاجرين و لم شمل العائلات . أما الجنائي فهو مرتبط بالفعل الإجرامي لعملية التهجير القسري الجماعي و ما رافق ذلك من انتهاكات لإنسانية واعتقالات ونفي واغتصابات وتفتيش وسلب وسب وضرب و إهمال ... داخل مخافر الشرطة و المعتقلات لمدة وصلت إلى أكثر من شهر شملت الرضع و الأطفال و النساء و الشباب و الرجال و الشيوخ ......
كيف ترى قيام السلطات الجزائرية بإصدار قرار لمصادرة أملاك المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر؟
القرار الصادر من وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بتاريخ 18 غشت 2010 المتعلق بمطالبتها للدولة المغربية باسترجاع أراض فلاحية كانت في السابق ملكا لرعايا جزائريين تقدر بمئات الهكتارات جرى تجريدهم منها كما يقول بيان الخارجية الجزائري، هي مناورة مفضوحة تدخل في إطار سياسة الهروب إلى الأمام التي ما فتئت تمارسها من خلال ملفنا الحقوقي الإنساني، في محاولة فاشلة للتملص من مسؤوليتها الدولية، خاصة و أنها مجبرة خلال شهر ماي 2011 للإجابة على التقرير الأممي الصادر من لجنة حماية حقوق العمال المهاجرين و أفراد عائلاتهم بجنيف. وحيث إن الجمعية ترى في هذا القرار الصادر من الدولة الجزائرية إشارة إيجابية يجب استغلالها ، باعتباره عبر عن استعداد الجزائر لدراسة جميع الملفات العالقة بينها وبين المغرب، بما في ذلك قضية المغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي من الجزائر .