رئيس مجلس المنافسة في حوار مع المغربية

بنعمور: الأولوية لمحاربة كل أشكال اقتصاد الريع غير المبرر

الثلاثاء 21 فبراير 2012 - 15:59

حدد عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، أولوية المجلس في محاربة كل أشكال اقتصاد الريع غير المبرر، وضمان احترام مبادئ المنافسة النزيهة، وتشجيع الإبداع والابتكار.

وشدد بنعمور في حوار أجرته معه "المغربية"، حول السلوكات المهيمنة في الأسواق المغربية، وعلى رأسها استشراء اقتصاد الريع، والاحتكار، والمضاربات، وارتفاع الأسعار، بسبب اختلال العرض والطلب، وغير ذلك من الممارسات غير المشروعة، على أن المجلس سيكون أمام وتيرة عمل مرتفعة، نظرا لحجم وعدد القضايا، التي ستكون معروضة عليه قصد البت فيها، ما يتطلب التوفر على فريق عمل مهم يمكن من معالجة كل الملفات بصفة فعالة وبكل نجاعة.

واستعرض بنعمور الإكراهات، التي يواجهها مجلس المنافسة، الملزم بالعمل في إطار القانون 06.99، الذي لا يرقى بهذه المؤسسة إلى صفة سلطة المنافسة، كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب دول العالم، إذ يجعل من المجلس هيئة استشارية فقط لا تتوفر على حق اتخاذ القرارات، ولا على سلطة التحري، أو إجراء البحوث، ولا على الحق في الإحالة الذاتية.

وأكد بنعمور أن الشرط الأساسي لنجاح عمل المجلس يتوقف على الإسراع بمسلسل المصادقة على إصلاح القانون 06.99، بعرضه على الحكومة، ثم على أنظار البرلمان، قصد تكريس المقتضيات والمبادئ التي أتى بها الدستور، معربا عن أمله بألا تدخل على النص المقترح تعديلات من شأنها أن تمس بمنطقه العام، إذ أن النص المقترح يشكل بناء متماسكا وكل مس ببعض دعائمه سوف يضر بنجاعته في العمق.

ماهي الصعوبات التي ما يزال مجلس المنافسة يعانيها؟

ـ في البداية، وقبل الحديث عن الصعوبات التي يواجهها مجلس المنافسة، لا بد من التذكير بأن الدستور الجديد كرس مبدأ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية، وكذا مجلس المنافسة، كهيئة مستقلة، مكلفة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة، وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

ويشكل هذا التكريس الدستوري مكسبا مهما، تتجسد من خلاله الرغبة في تثبيت دعائم اقتصاد السوق، المبني على التفاعل بين العرض والطلب، في إطار منافسة منظمة، يسهر المجلس على ضمان احترامها.

وأحال الدستور، في ما يخص تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد تسيير مجلس المنافسة، على قانون، يأخذ في الاعتبار المستجدات، التي أقرها الدستور، في ما يتعلق بمجلس المنافسة، كهيأة مستقلة بموجب الدستور، وكذا اختصاصاته ومهامه.

إلا أنه، وفي انتظار المصادقة على هذا القانون، يظل مجلس المنافسة ملزما بالعمل في إطار القانون 06.99، الذي لا يرقى بهذه المؤسسة إلى صفة سلطة المنافسة، كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب دول العالم، إذ يجعل من المجلس هيئة استشارية، فقط، لا تتوفر على حق اتخاذ القرارات، ولا على سلطة التحري، أو إجراء البحوث، ولا على الحق في الإحالة الذاتية. كما لا يتوفر المجلس في ظل القانون الحالي على الاستقلالية اللازمة للقيام بمهامه.

كل هذه العناصر تشكل إكراهات بالنسبة إلى مجلس المنافسة، من أجل أداء دوره بشكل كامل. وقصد تجاوز هذه الصعوبات، أعد مشروع قانون، بتنسيق مع مصالح رئاسة الحكومة، وقدم للأمانة العامة للحكومة في بداية الصيف الماضي. وأملنا، اليوم، هو الإسراع بمسلسل طرح الإصلاح على الحكومة، ثم على أنظار البرلمان قصد المصادقة عليه.

ما هي أهم الاقتراحات التي طرحتموها لتسوية المشاكل القائمة؟

ـ جرى إعداد مشروع القانون المعدل للقانون 06.99 وفق مقاربة تأخذ في الاعتبار المعايير الدولية المتعارف عليها في تحديد تنظيم واختصاصات سلطات المنافسة، وكذ،ا التزامات المغرب تجاه شركائه الاقتصاديين الدوليين.

في هذا الإطار، وقع التنصيص على مستوى اختصاصات المجلس على الصلاحية العامة بالنسبة إلى قضايا المنافسة، تفاديا لتداخل الاختصاصات مع بعض المؤسسات الأخرى، مثل المقننين القطاعيين، مثلا، إذ سيختص المجلس بكل القضايا التي تتعلق بالممارسات المنافية للمنافسة داخل الأسواق، مثل الاتفاقات اللاتنافسية، والاستغلال التعسفي للأوضاع المهيمنة داخل السوق، إضافة إلى مراقبة التمركزات الاقتصادية. كما جرى تضمين مشروع هذا القانون مقتضيات تترجم المهام الإضافية، التي عهد بها الدستور لمجلس المنافسة، ويتعلق الأمر بمراقبة الممارسات التجارية غير المشروعة، التي لها أثر على المنافسة داخل السوق، ومراقبة الاحتكارات.

وفي ما يخص آليات عمل مجلس المنافسة، وقع التنصيص على أن المجلس يتوفر على سلطة اتخاذ القرارات في حالة ضبط ممارسات منافية للمنافسة وحق الإحالة الذاتية والاستقلالية التنظيمية والمالية، إضافة إلى حق إجراء البحوث والتحري، من أجل التوفر على المعلومات والمعطيات الضرورية لمعالجة القضايا المعروضة عليه. كما جرى توسيع دائرة الأشخاص، الذين بإمكانهم إحالة القضايا المتعلقة بالمنافسة على المجلس، إذ سيصبح بإمكان الشركات إحالة قضايا على المجلس مباشرة دون المرور عن طريق جمعية، أو غرفة مهنية، أو نقابة، كما هو الشأن حاليا.

وحصلت تقوية دور المجلس في ما يخص مهام التحسيس بقضايا المنافسة والتنبيه بالاختلالات، التي يمكن أن تشوب عمل الأسواق، إذ أعطيت للمجلس إمكانية القيام بدور المرافعة، من أجل الحث على احترام مبادئ المنافسة، سواء مست من طرف أجهزة الدولة، أو من طرف فاعلين آخرين.

صرحتم، أخيرا، بأن المجلس في حاجة إلى موارد مادية وبشرية لماذا؟

ـ تحسبا للمصادقة على القانون المعدل للقانون 06.99، الذي ينص، كما سبقت الإشارة لذلك، على توسيع دائرة الأشخاص، الذين بإمكانهم إحالة قضايا على المجلس إضافة إلى الاختصاصات الجديدة الموكولة إليه، وحق الإحالة الذاتية، فإن المجلس سيكون أمام وتيرة عمل مرتفعة، نظرا لحجم وعدد القضايا، التي ستكون معروضة عليه قصد البت فيها، ما يتطلب التوفر على فريق عمل مهم يمكن من معالجة كل الملفات، بشكل فعال.

واسمحوا لي أن أؤكد هنا أن المجلس لا يتوفر، حتى اليوم، إلا على 20 إطارا من ذوي اختصاص وخبرة في المجالات القانونية والاقتصادية، غير أن هذا الفريق، رغم كفاءته، يبقى غير كاف لمعالجة الكم المهم من القضايا، التي سيكون المجلس مطالبا بالبت فيها. ولا يمكن للمجلس، في ظل القانون الحالي، أن يوظف مباشرة الأطر التي تلزمه، نظرا لعدم توفره على الاستقلال المالي والشخصية المعنوية، بل تبقى له الإمكانية، فقط، في استقدام أطر من الإدارات الأخرى، عن طريق مسطرة الإلحاق.

لذلك، سيكون المجلس مطالبا بتقوية موارده البشرية، مع الإشارة إلى صعوبة وجود الكفاءات البشرية القانونية والاقتصادية العالية، الذي يفرضها هذا الميدان المتشعب.

ما هي الأولويات التي تركزون عليها في عملكم؟

ـ إضافة إلى الإجابة عن طلبات الرأي، والإحالات المعروضة على المجلس، والعمل التحسيسي الذي أنجزناه، جرت برمجة 20 دراسة خارجية وداخلية تتعلق بتنافسية بعض القطاعات، أنجزت منها 5 دراسات، تهم مجالات الهاتف المحمول، وقروض الاستهلاك، والمساحات الكبرى والمتوسطة، والعقوبات في قانون المنافسة، وصناعة الأدوية.

وسننشر، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، قسطا وافرا من الدراسات المتعلقة بتنافسية قطاعات تهم "إشكالية تحرير أسعار المواد المدعومة من طرف الدولة، في إطار صندوق المقاصة، وزيوت المائدة، والصفقات العمومية، والقطاع البنكي، والإسمنت، والنقل السككي، والنقل الجوي، والتواصل السمعي ـ البصري، وملاءمة النصوص المتعلقة بالمنافسة، وإدراك المنافسة من طرف العالم الاقتصادي.

وفي ما يخص الأولويات، التي سيرتكز عليها عمل المجلس، بعد المصادقة على مشروع الإصلاح المرتقب، فهي تهم القطاعات الاستراتيجية، التي لها وزن اقتصادي واجتماعي مهم. في هذا الصدد، أشير إلى أن مشروع القانون المذكور يمنح للمجلس، أيضا، الحق في اختيار الملفات ذات الأولوية قصد معالجتها، خاصة أن لائحة الأشخاص الذين يمكنهم توجيه إحالات إلى المجلس أو طلب رأيه جرى توسيعها بشكل مهم، ما يعني أن المجلس سيشهد ارتفاعا ملحوظا في عدد الإحالات.

وعموما، فإن أولوية المجلس هي محاربة كل أشكال اقتصاد الريع غير المبرر، وضمان احترام مبادئ المنافسة النزيهة، وتشجيع الإبداع والابتكار.

هل يستطيع مجلس المنافسة، بالفعل، القيام بالدور الموكول إليه لمواجهة اللوبيات التي تقف ضده؟

- أؤكد أن الشرط الأساسي لنجاح عمل المجلس يتوقف على الإسراع بمسلسل المصادقة على إصلاح القانون 06.99، بعرضه على الحكومة، ثم على أنظار البرلمان، قصد تكريس المقتضيات والمبادئ التي أتى بها الدستور.

وأملنا ألا تدخل على النص المقترح تعديلات، من شأنها أن تمس بمنطقه العام، إذ أن النص المقترح يشكل بناء متماسكا، وكل مس ببعض دعائمه سيضر بنجاعته في العمق.

وفي ما يتعلق بمسألة اللوبيات، فإن كل سلطات المنافسة، التي شاركنا معها في ندوات دولية، أو تلك التي استضفناها في إطار الندوات، التي ينظمها المجلس، تؤكد أنها تواجه لوبيات، هدفها المحافظة على الامتيازات غير المبررة التي تتوفر عليها، سواء الناتجة عن تصرفات لا تنافسية أو عن السلطات العمومية.

بهذا الخصوص، فإن استراتيجية المجلس واضحة المعالم، إذ تنبني على عدم الرضوخ لأي نوع من الضغوط والتمسك بمبادئ التنافس الحر والنزيه، المرتكز على تشجيع المبادرات والمقاولات المبدعة، التي تجتهد في تحسين أدائها، خدمة للاقتصاد الوطني وحماية للمستهلك.

ما هو مجلس المنافسة؟

كرس دستور فاتح يولوز 2011 مبدأ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية، وكذا مجلس المنافسة، الذي يعد هيئة مستقلة مكلفة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، والممارسات التجارية غير المشروعة، وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

ويضم مجلس المنافسة، الذي جرى تنصيبه في يناير سنة 2009، 12 عضوا، ستة منهم يمثلون الإدارة، وثلاثة خبراء في مجال القانون والاقتصاد والمنافسة والاستهلاك، وثلاثة يمثلون الجمعيات والغرف المهنية، إلى جانب ثلاث لجان قطاعية تهم "المواد الاستهلاكية الأساسية"، و"المنتوجات الاقتصادية"، و"الخدمات والمالية".

ويظل مجلس المنافسة، منذ إحداثه سنة2001، عاجزا عن الوصول إلى البيانات الرسمية لتقييم نطاق الصفقات المخالفة ضمن تراخيص وعقود تمنح لأفراد، أو شركات أجنبية، دون إجراء مناقصات تنافسية، وتشمل هذه التراخيص قطاعات منها المقالع، والمعادن، وصيد الأسماك، والنقل العمومي، زيادة على عقود بملايير الدراهم لتزويد معدات شركات عمومية بالآليات والتجهيزات.

إضافة إلى الإجابة عن طلبات الرأي، والإحالات المعروضة على المجلس، وكذا العمل التحسيسي الذي أنجزه المجلس، جرت برمجة 20 دراسة تتعلق بتنافسية قطاعات، أنجزت منها 5 دراسات تهم الهاتف المحمول، وقروض الاستهلاك، والمساحات الكبرى والمتوسطة، والعقوبات في قانون المنافسة، وصناعة الأدوية.

ويعاني مجلس المنافسة صعوبات مرتبطة بطبيعة المهام التي يضطلع بها، والعلاقات التي تربطه بالسلطات العمومية، والمقننين القطاعيين، والقضاء، خاصة أن المجلس لا يتوفر على إمكانية الإحالة الذاتية، ولا على آليات للتحقيق في القضايا المرتبطة بخرق شروط المنافسة.

وحسب بنعمور، ترجع هذه المعيقات، في الأصل، إلى طبيعة القانون المنظم لعمل المجلس، الذي حصر صلاحيات هذه المؤسسة في الجانب الاستشاري، فقط، دون تخويله سلطة القرار، والبت في قضايا التجاوزات، والمس بأخلاقيات المنافسة النزيهة.

عبد العالي بنعمور

ولد عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، في 10 شتنبر 1941.
حصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية (باريس - السوربون) بعدما حصل على دبلوم الدراسات العليا (باريس ـ بانتيون سنة 1968)، والإجازة في المجال نفسه (فاس والرباط سنة 1964).

درّس بنعمور أستاذا في جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء (من 1966 إلى 2001)، كما كان مديرا للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، في الفترة من 1971 إلى 1976.

انتخب بنعمور مستشارا بلديا في جماعة المعاريف، ثم في جماعة عين الشق بالدارالبيضاء (1976 ـ 1992)، كما كان نائبا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالدارالبيضاء من 1976 إلى 1981.

وشغل بنعمور منصب مدير لمعهد الدراسات العليا للتدبير، منذ 1988، ومنصب متصرف ببنك المغرب من1994 إلى 2003، كما كان عضوا باللجنة الخاصة للتربية والتكوين من 1999 إلى 2005، ورئيسا لجمعية "بدائل" من 1995 إلى 2002. ومنذ 2002، استمر بنعمور في تحمل مسؤولية الرئيس المؤسس لهذه الجمعية.

وألف بنعمور عددا من الكتب منها "الوساطة المالية والتنمية الاقتصادية في المغرب" (1968)، و"المحاسبة الوطنية المغربية" (1971)، و"المغرب المستنطق" (1993)، و"إعادة التفكير في المدرسة" (2007).

وبتاريخ 11 أبريل 2011، استقبل بنعمور من طرف جلالة الملك محمد السادس، وقال بلاغ للديوان الملكي، آنذاك، إن جلالة الملك أكد، خلال هذا الاستقبال، على الأهمية البالغة، التي يوليها جلالته لتعزيز الدور المهم لمجلس المنافسة في توطيد دولة الحق في مجال الأعمال، والمساهمة في تأهيل وتحديث الاقتصاد الوطني، وتعزيز تنافسيته، وتحفيزه وجذبه للاستثمار المنتج، الكفيل بالرفع من وتيرة التنمية، وتوفير فرص الشغل والعيش الكريم لكافة المواطنين سيما منهم الشباب.

وأكد جلالة الملك ضرورة التفعيل الأمثل للمجلس كي يقوم بمراقبة التركزات الاقتصادية، وتوفير المناخ الملائم للمنافسة الشريفة، وحرية المبادرة، وتكافؤ الفرص، ومكافحة اقتصاد الريع، وكل أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة.




تابعونا على فيسبوك