محور الرباط - دكار: علاقات عريقة ونموذج رائع للتعاون جنوب - جنوب

الخميس 14 مارس 2013 - 14:56

من شأن الزيارة التي يبدأها صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ يوم الجمعة٬ إلى دكار إعطاء دينامية جديدة للعلاقات المغربية السنغالية الممتازة. فمحور الرباط - دكار أصبح نموذجا رائعا للتعاون جنوب - جنوب٬ واعدا بمزيد من الإشعاع الإقليمي والمبادر

وفي سياق الرغبة المشتركة في المضي قدما نحو مزيد من تطوير هذه العلاقات العريقة والمتميزة التي رعاها، على الدوام، قادة البلدين منذ فجر الاستقلال٬ قام جلالة الملك محمد السادس سنة 2001 بأولى زياراته الرسمية للسنغال٬ زيارة أعطت دفعة قوية ومضمونا حقيقيا لعلاقات التعاون في مجالات ذات الأولوية بالنسبة للتنمية في البلدين، من قبيل الزراعة والصيد البحري والتعليم والتكوين والصحة وتدبير الماء والري والاتصالات والتهيئة الحضرية والنقل الجوي والتجهيزات الأساسية.

وتوالت٬ منذئذ٬ زيارات جلالة الملك للسنغال كدلائل إضافية على الرغبة الأكيدة في إعطاء دينامية متجددة لهذه العلاقات الأخوية التي مافتئ جلالته يوليها للنهوض بعلاقات المغرب مع هذا البلد.

وفي 14 نوفمبر 2006 قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة عمل للسنغال الرابعة لهذا البلد خلال خمس سنوات٬ تميزت بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات الاستثمار والدعم التقني في قطاعات تقنين وتنظيم قطاع البناء والأشغال العمومية والوقاية المدنية والنقل الجوي.

وتعد الزيارة الحالية لجلالة الملك للسنغال الأولى منذ تولي الرئيس السنغالي الجديد ماكي سال السلطة٬ وستشكل المباحثات التي سيجريها قائدا البلدين إحدى لحظاتها القوية.

وكان جلالة الملك أكد، في برقية بعث بها للرئيس سال في 26 مارس 2012، لدى انتخابه رئيسا للسنغال، "ارتياحه لعلاقات الأخوة الإفريقية الممتازة٬ والتعاون المثمر الذي يربط البلدين"٬ مؤكدا عزم جلالته على العمل "من أجل تعزيز هذه العلاقات وتنويعها بشكل أفضل، في إطار شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية قوية ومتجددة٬ وتعاون جنوب - جنوب نشيط ومتضامن لما فيه خير الشعبين الشقيقين وصالح تنمية القارة الافريقية".

ومن جهة أخرى شكل الدعم السنغالي لقضية الوحدة الترابية للمملكة٬ على الدوام٬ قناعة راسخة للدبلوماسية السنغالية.

وجدد الرئيس الجديد للدبلوماسية السنغالية عليون بادارا سيسي التأكيد على هذا الموقف خلال أول زيارة قام بها مؤخرا للمغرب٬ حيث قال "إن السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية لا يمكن الجدال فيها. إنه موقف محسوم فيه بشكل دائم".

وأعرب المغرب والسنغال عن إصرارهما على العمل على تنويع علاقات التعاون الثنائي وتوسيعه، وذلك بمناسبة الاجتماع التحضيري للدورة الـ 14 للجنة المختلطة المغربية السنغالية للتعاون، التي ستعقد قريبا في دكار.

وفي هذا السياق أكد البلدان على أن الظرف الاقتصادي والأمني الإقليمي والدولي يتطلب وجود روابط أكثر متانة بين البلدين٬ واضعين نصب أعينهما إقامة نموذج للتعاون تستلهم منه البلدان الإفريقية الأخرى.

كما دعوا إلى تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية بهدف الاستجابة للطموحات المشتركة، وتوفير شروط إقامة نموذج للشراكة بين البلدان الإفريقية، من خلال العمل على تطوير آليات هذه العلاقات وتجديد المقاربات وتنويع المتدخلين.

وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري شهدت علاقات البلدين في ظرف وجيز قفزة نوعية، إذ ارتفعت وتيرة المبادلات والاستثمارات منذ سنة 2000، حيث انتقلت المبادلات التجارية من 6 مليون دولار في العام 1999 إلى 52 مليون دولار في العام 2005.

يذكر أنه في العام 1964 جرى التوقيع على اتفاقية يتم بموجبها معاملة المؤسسات المغربية والسنغالية في كلا البلدين بالمثل٬ ومنذ ذلك التاريخ وقع البلدان 60 اتفاقا ومعاهدة تجارية٬ تعمل على تسهيل التدفقات التجارية والاقتصادية والاستثمارات بين البلدين. وإضافة لهذه الاتفاقيات هناك أيضا آلية مجلس الأعمال المغربي السنغالي الذي يضم رجال الأعمال من كلا البلدين.

وتعد قطاعات الفلاحة والسياحة والبناء والأشغال العمومية والهندسة المدنية والتكنلوجيات الجديدة قطاعات واعدة في التعاون والاستثمارات بين البلدين.

وانعكست متانة العلاقات السياسية إيجابا، على قطاع الاستثمارات التي بدأها القطاع العام المغربي في السنغال ويواصلها حاليا القطاع الخاص. ففي عدد من القطاعات الاقتصادية السنغالية تحضر الخبرة المغربية في مجالات مثل البناء والأشغال العمومية والصناعة الصيدلية والكهرباء.

ومنذ العام 2005 انضاف القطاع البنكي المغربي بقوة إلى هذه الدينامية الاستثمارية في السنغال. وفي هذا السياق يبرز الوسام الذي حصل عليه مؤخرا الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفابنك، محمد الكتاني، من لدن الرئيس ماكي سال دليلا، على نجاح هذه المجموعة في السوق السنغالي٬ والتي أنشأت في العام 2008 فرعا محليا تابعا لها بعد اندماج بين البنك السنغالي (المجموعة البنكية لإفريقيا الغربية) والفرع المغربي (التجاري وفابنك السنغال)٬ لتصبح أول مجموعة بنكية في السنغال، ونموذجا ناجحا في منطقة غرب إفريقيا.

وتعمل المجموعة البنكية على تطوير التعاون المغربي السنغالي في مجال المبادلات التجارية والاستثمارات. وحسب الرئيس المدير العام للمجموعة فهي تعتبر أول بنك تجاري ساهم في تمويل مشاريع كبرى، من قبيل إنشاء طريق سيار بالسنغال ومشروع محطة حرارية ومشروع محطة كهربائية تعمل بالفحم الحجري (محطة سيندو بطاقة انتاج 125 ميغاواط).

وحسب حصيلة البنك للعام 2011، بلغت القروض الموجهة للاقتصاد السنغالي، من طرف المجموعة، 527 مليار فرنك إفريقي من مجموع موارد بلغت 493 مليار فرنك افريقي (اورو واحد يعادل 654 فرنك افريقي).

كما يحضر المكتب الوطني للماء والكهرباء بقوة في السنغال إذ حصل المكتب على صفقتي مشروعين للكهربة القروية في سان لوي ولوغا (شمال). وتتكلف حاليا الشركة المغربية السنغالية للكهرباء التابعة للمكتب الوطني للماء والكهرباء، والمحدثة في أكتوبر 2008 بتنفيذ مشروع كهربة 550 قرية بمنطقة سان لوي، في حين يشمل البرنامج الثاني كهربة 11 ألف منزل في لوغا.

وضمن الاستثمارات المغربية الخاصة يمكن الحديث أيضا عن وحدة "غرب إفريقيا للصيدلة" التابعة للمختبر المغربي "سوطيما"، التي افتتحت مصنعا للأدوية في دكار باستثمار يصل إلى 5،6 مليون أورو.

غير أن المبادلات التجارية بين المملكة والسنغال على الخصوص، ومع منطقة غرب افريقيا على العموم، تظل تعاني من صعوبات بفعل غياب اتفاق تجاري مع "المجموعة الاقتصادية والنقدية لغرب إفريقيا" التي تضم ثمانية بلدان من بينها السنغال والكوت ديفوار.

ومن شأن تسريع التوقيع على الاتفاق التفضيلي للتجارة والاستثمارات، الموقع عليه بالأحرف الأولى مع المجموعة في نوفمبر 2008، أن يشكل شرطا ضروريا للنهوض بالتعاون جنوب جنوب٬ ويتعلق الأمر باتفاق يندرج في إطار علاقات مربحة للطرفين تبعا لمساعي المملكة الرامية إلى الاندماج الإقليمي.

ووعيا من المغرب بضرورة إضفاء بعد تضامني على علاقاته مع السنغال حرص على المساهمة في إنجاز العديد من المشاريع في هذا البلد ركزت على القطاعات التنمية ذات الأولوية، في إطار التعاون جنوب- جنوب.

فقد وضع المغرب رهن إشارة هذا البلد تقنية استمطار السحب وهو البرنامج الذي يساعد السنغال في إنجاح برنامجه لتطوير الإنتاجية الزراعية (غوانا) الذي يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي.

ويعد التكوين قطاعا آخر ذا أهمية كبيرة في التعاون بين البلدين٬ فبوجود 8000 طالب سنغالي يتابعون دراستهم يعتبر المغرب ثاني وجهة للسنغاليين للدراسة بعد فرنسا. وبدورها تستقطب الجامعات السنغالية أكثر من 600 طالب مغربي يتابع غالبيتهم دراساتهم العليا في كلية الطب بجامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار.

ويهم التعاون بين البلدين كذلك المجال الديني على الخصوص، من خلال الزاوية التجانية.

واحتضنت فاس في العام 2007 مؤتمر التيجانيين عبر العالم. ومن أبرز سمات هذا التعاون بناء المغرب في العام 1964 لمسجد الحسن الثاني بدكار، وجرى ترميمه في العام 2002.

إن زيارة جلالة الملك للسنغال تعد فرصة أخرى لتعزيز المكتسبات المحققة لحد الآن، في إطار هذا التعاون متعدد الأطراف والمتضامن والفعال. كما أن الروابط الروحية والأخوة العريقة المنسوجة عبر التاريخ بين البلدين تمهد السبل لإنجاح تحديات تعاون جنوب - جنوب واعد ومثمر بالنسبة للبلدين.




تابعونا على فيسبوك