مدير معهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس السويسي يعتبر العلاقات مع إفريقيا اختيارا استراتيجيا في السياسة الخارجية للمغرب

يحيى أبو الفراح: الزيارات الملكية المكثفة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية

السبت 16 مارس 2013 - 13:04

بمناسبة الزيارات الملكية لكل من السينغال، وكوت ديفوار، والغابون، أجرت "المغربية" حوارا مع مدير معهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس السويسي، يحيى أبو الفراح، تطرق فيه إلى عمق العلاقات المغربية الإفريقية، على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية

وأوضح دور الجاليتين المغربية والإفريقية في تثبيت أرضية التعاون المشترك. وتناول أبو الفراح، أيضا، موضوع الوجود الاقتصادي المغربي ببعض دول القارة السمراء، مشيرا إلى انتقاله في بضع سنين (10 سنوات الأخيرة)، من وجود لتجار في كل من السينغال، وكوت ديفوار، إلى انتشار شبكة اقتصادية ومالية مغربية واسعة، من بنوك ومقاولات في مختلف مجالات الاتصالات والأشغال العمومية، واستغلال المناجم.

كما تحدث مدير معهد الدراسات الإفريقية عن دور المغرب إبان الاستعمار ودعمه لحركات التحرر الإفريقي، وهو الدعم ذاته الذي يقدمه المغرب اليوم من خلال العمل على استتباب الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، التي تحتضن قرابة نصف النزاعات المنتشرة عبر العالم. وقال أبو الفراح إن المغرب يعمل من خلال التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية لإحلال السلام في القارة، ومحاربة الإرهاب ودعم الشعوب الإفريقية في العيش بأمان واستقرار.

بداية نريد أن تعرفوا بمعهد الدراسات الإفريقية من حيث نشأته والأهداف التي يتوخى تحقيقها؟

* معهد الدراسات الإفريقية، مؤسسة تابعة لجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، تم إنشاؤها سنة 1987، بتعليمات سامية من الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، وشرع في تنظيم أنشطته ابتداء من أبريل 1990.

والمعهد متخصص في البحث العلمي حول إفريقيا ويعمل على دراسة وتتبع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجالية، التي تشهدها القارة الإفريقية، ودراسة التراث المغربي الإفريقي المشترك، وكذا تحليل وتتبع تطور علاقات المغرب مع سائر الدول الإفريقية في جميع الميادين، كما يعد المعهد، أيضا، مركزا للخبرة والاستشارة لفائدة القطاعين العام والخاص المهتمين بإفريقيا، وهو كذلك مركزا للنشر والتوثيق في جميع القضايا المتعلقة بإفريقيا، إضافة إلى اعتباره مؤسسة للتكوين في الدكتوراه، اعتبارا من عام 2009.

عاش المغاربة عقودا من الزمن على عبارة تقول إن المغرب شجرة جذورها في إفريقيا وتتنفس من أوروبا، أين يكمن العمق الاستراتيجي للمغرب في إفريقيا حسب رأيكم؟

- يرتبط المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء بعلاقات تاريخية وثقافية وبشرية قديمة جدا، تعود إلى قرون مضت. والصحراء الكبرى، بصعوبة ظروفها الطبيعية، لم تكن حاجزا في وجه العلاقات، بل بالعكس من ذلك، شكلت حلقة وصل تربط المغرب بعمقه الإفريقي طبيعيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

ورغم انفتاح المغرب المتزايد تجاه الشمال، ظل مرتبطا بعلاقات متميزة مع القارة الإفريقية، وطور في هذا الاتجاه استراتيجية واضحة، جنوب - جنوب، خاصة مع البلدان الإفريقية كاختيار استراتيجي أملته تزايد مكانة القارة الإفريقية في السياسة الخارجية للمغرب، باعتبارها مجالا حيويا بالنسبة لحاضر ومستقبل المغرب، كما يندرج ذلك في إطار تفعيل مقتضيات الدستور الجديد، الذي أكد أهمية البعد الإفريقي في الهوية الوطنية، وضرورة تعزيز التعاون مع الشعوب الإفريقية. وبالإضافة إلى ذلك، تحتضن القارة الإفريقية جالية مغربية استقرت في عدد من الدول، خاصة في السينغال ومالي منذ القرن 19، وفي دول أخرى، خاصة كوت ديفوار، منذ الستينيات من القرن الماضي.

ورغم وجود المغرب خارج الاتحاد الإفريقي، فإنه عمل على تقوية وجوده في القارة الإفريقية عبر تطوير علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف، وعبر تعزيز علاقاته مع المجموعات الاقتصادية، وكذلك عبر مساهماته في عمليات السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في مختلف مناطق القارة. كما شهدت علاقات المغرب مع باقي الدول الإفريقية دفعة قوية، خلال العشر سنوات الأخيرة، من خلال الزيارات الملكية المكثفة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية. وهكذا، قام جلالة الملك محمد السادس بأكثر من 20 زيارة لقرابة 13 بلدا إفريقيا، إضافة إلى زياراته الحالية إلى السينغال وكوت ديفوار، والغابون.

هذا المعطى أساسي، ويعكس الأولوية الاستراتيجية التي تحتلها القارة الإفريقية في التوجهات الخارجية للمغرب.

بصفتكم مديرا لمعهد الدراسات الإفريقية، هل استطاع المغرب بشكل صحيح استثمار المعطيات الثقافية والفنية والتاريخية المشتركة مع الأفارقة في بناء علاقات استراتيجية أم أن الأمر يتعلق دائما بعلاقات تقليدية؟

- عمل المغرب على استثمار هذا الرصيد من التراكم التاريخي والثقافي والبشري في بناء استراتيجية للتعاون مع القارة الإفريقية في المجال السياسي والاقتصادي، ورغم أن تقييما عاما لحصيلة علاقات المغرب مع باقي الدول الإفريقية يوضح تركزها على إفريقيا الغربية وعلى الدول الفرنكوفونية باعتبارها مجالات تقليدية، تجد تفسيرا لها في عدد من المعطيات التاريخية والثقافية، فإن توجها جديدا بدأ يتأكد قوامه لانفتاح متزايد على مختلف أجزاء القارة في شرقها وغربها وجنوبها، وعلى المجالات ذات الثقافة الإنجليزية والإسبانية، وكذا عبر تطوير عدد من الآليات أهمها توسيع التغطية الدبلوماسية في إفريقيا، والرفع من عدد الاتفاقيات والمعاهدات، التي وقعت مع مختلف الدول الإفريقية.

يضاف إلى ذلك، استقبال المغرب لأعداد متزايدة من الطلبة المنتمين إلى مختلف البلدان الإفريقية، إيمانا من المغرب بأن تقوية التعاون الثقافي والعلمي مع إفريقيا ستكون لها انعكاسات إيجابية على المجالات السياسية والاقتصادية.

في غضون الأزمة المالية العالمية تتجه أنظار القوى الاقتصادية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، والصين، وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي، إلى البحث عن آفاق اقتصادية واعدة في الفضاء الإفريقي، ما يمكن أن يفعله المغرب، للقيام بدور يعود عليه بالنفع؟

* تعرف القارة الإفريقية منافسة قوية حول ثرواتها وأسواقها بين مختلف القوى الاقتصادية التقليدية منها والناشئة، خاصة الأسيوية مثل الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، إضافة إلى دول أخرى، مثل البرازيل وتركيا وغيرهما، وازدادت هذه المنافسة بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة، بارتباط مع الأزمة الاقتصادية العالمية، التي مست بشكل مباشر علاقات النمو الاقتصادية من جهة، وتزايد الطلب العالمي على المواد الأولية، التي تعتبر إفريقيا خزانا طبيعيا لعدد منها، من جهة ثانية. كما أن هذه البلدان أصبحت تبحث لمنتجاتها عن أسواق جديدة، خاصة في إفريقيا، بسبب ثقلها ونموها الديموغرافي المتسارع، وتسجيل عدد من بلدانها معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي.

في ظل هذا المناخ العالمي والإقليمي، جعل المغرب من الاهتمام بالمجال الإفريقي اختيارا استراتيجيا وإحدى الأولويات الأساسية في سياسته الخارجية، تشمل، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، تشجيع القطاع الخاص والشركات المغربية على الاستثمار في البلدان الإفريقية، للاستفادة من الإمكانات الهائلة والمتعددة في عدد من القطاعات.
ومن ثمرة هذا التوجه، الارتفاع المتزايد لعدد من المقاولات المغربية المستثمرة في البلدان الإفريقية، كما هو الحال بالنسبة للبنوك، التي تستحوذ على حصة مهمة من الأسواق البنكية، وقطاع الاتصالات، وشركات استغلال المناجم، والأشغال العمومية، وغيرها من المقاولات المغربية العاملة في مجال الاستثمار.

بفضل هذا الاختيار الاقتصادي، وتشجيعات الدولة من خلال إقرار تسهيلات على مستوى تحويل العملة الصعبة للاستثمار في القارة الإفريقية، انتقل الوجود الاقتصادي المغربي، خلال أقل من عقدين، من مستوى عدد محدود من التجار المغاربة في السينغال وكوت ديفوار إلى حضور اقتصادي قوي واستثمارات ضخمة تلعب دورا إيجابيا في العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء.

بقدر ما تتحول أنظار القوى الاقتصادية الكبرى نحو القارة السمراء، تشهد الأخيرة اضطرابات سياسية وأمنية مثل ما يحدث في مالي، ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، كيف يمكن تجاوز ذلك؟ وهل للمغرب دور إلى جانب الدول الكبرى في استتباب الأمن بهذه الدول؟

- تحتضن القارة الإفريقية قرابة نصف النزاعات الدولية في العالم (40 في المائة تقريبا) من نزاعات داخلية، أو بين الدول، وتتجه نحو تعميق الأوضاع المضطربة نتيجة الأحداث المتسارعة، التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على باقي أجزاء القارة، سيما منها، بالخصوص، الحزام الساحلي الصحراوي، الذي يضم قرابة نصف دول إفريقيا.

فبالقدر الذي لعب المغرب دورا أساسيا في دعم حركات التحرر الإفريقي إبان الاستعمار، يقوم المغرب اليوم بدور أساسي في عمليات استتباب الأمن والاستقرار، عبر مختلف أوجه التعاون مع منظمة الأمم المتحدة، أو المنظمات الإقليمية بالقارة، قصد إيجاد الحلول لمختلف النزاعات التي تشهدها عدة مناطق.

كما ساهم المغرب في عدد من عمليات استتباب الأمن، كما هو الحال في الصومال، والكونغو الديمقراطية، وكوت ديفوار وغيرها. وهنا لا بد من التذكير باحتضان المغرب في فبراير 2002، للقاء أفضى إلى حل النزاع حول بحيرة مانو. وفي هذا الإطار انخرط المغرب في التوجه الدولي الهادف إلى محاربة الإرهاب وتوفير الشروط الهادفة إلى ضمان الأمن والاستقرار بالقارة، وفق استراتيجية قوامها التنسيق الإقليمي والجهوي في هذا المجال.

هل الأفارقة الذين يتوافدون على المغرب، إما للدراسة أو العمل، أو حتى للعبور نحو الضفة الأخرى، يمكن استثمارهم في توثيق العلاقات مع بلدانهم؟ أم أن الأمر برأيكم لا يحتاج إلى تقييم استراتيجي؟

- يتميز المغرب باحتضانه جالية إفريقية يتزايد عددها سنة بعد أخرى، وهي مكونة أولا من فئات عريضة من الأفارقة، الذين يقصدون المغرب في إطار الهجرة السرية، باعتباره محطة للعبور نحو الوجهة الأوروبية، وهذه الظاهرة شهدت نموا خلال السنوات الأخيرة، وبدأت تعرف تحولات كبرى، من أهمها، تحول جزء منها من هجرة العبور إلى هجرة الاستقرار، وتتميز الجالية الإفريقية في المغرب، أيضا، بوجود فئة من الأفارقة المقيمين في وضعية قانونية ويمارسون أنشطة مختلفة، ويقومون باستثمارات كما يؤسسون شركات في عدد من القطاعات، إضافة إلى كل ذلك يضم المغرب جالية طلابية مهمة مشكلة من قرابة 9 آلاف طالب، قادمين من مختلف الدول الإفريقية، تنفيذا لتوجيهات مغربية واضحة في مجال التعاون العلمي والثقافي، وفي مجال تكوين الأطر والنخب الإفريقية.

هؤلاء الطلبة يتابعون دراساتهم في مختلف الجامعات والمعاهد الوطنية، كما أن هناك انفتاحا متزايدا للتعليم العالي المغربي الخاص على الطلبة الأفارقة. وهكذا، بالإضافة إلى الجهود المغربية في مجال تكوين الأطر الإفريقية، فإن هؤلاء الطلبة يلعبون دورا مهما في تقوية علاقات المغرب مع بلدانهم الأصلية على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية، ويعتبرون أنفسهم سفراء للمغرب، بعد عودتهم إلى بلدانهم، سواء من خلال الوظائف التي يحتلونها، أو الجمعيات التي يعملون على تأسيسها. وفي هذا المجال ينبغي على المغرب أن يقوم بوضع استراتيجية واضحة في مجال تتبع مسار هؤلاء الطلبة، بعد انتهاء دراساتهم في المغرب وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية، قصد استثمار أفضل للمجهود الكبير، الذي يبذله في مجال تكوين الأطر الأجنبية بصفة عامة، والإفريقية بصفة خاصة.

ونحن في معهد الدراسات الإفريقية نتوفر على برنامج عملي، سنقترحه على المؤسسات المغربية ذات الصلة بملف الطلبة الأفارقة بالمغرب.




تابعونا على فيسبوك