طموح للنهوض بتاريخ الإقليم عبر ترميم المعالم والأسوار الأثرية

تازة.. المدينة الإسلامية ذات الطابع المعماري الخاص

الثلاثاء 23 أبريل 2013 - 14:13

أن تزور تازة، يعني أن تتكئ على الطمأنينة، وهي إقليم يحفل بمعطيات طبيعية هائلة، تتنوع بين الأشجار والمراعي، والمغارات والكهوف، وعندما تتجول بحرية دون تكلف، تتلمس الطريق إلى معالم ومبان أثرية، جعلت تازة من بين أقدم المدن الإسلامية في المغرب الأقصى وموقع أثر

تازة حسب ما يجدها المؤخرون والباحثون في الآثار، تبوح بتاريخها العريق، عند الاستقصاء عن أخبارها وماضيها وأحداثها، المتجسدة بعض دلائلها في معالم تنطق بتجارب إنسانية، هذه التجارب التي أبدعت الصنع والبناء وقادت المشرفين اليوم على الإقليم كل حسب اختصاصه إلى رد الروح لها عبر إصلاحات وترميمات، مثلما أنجزه محمد العزوزي، المفتش الجهوي للمآثر التاريخية، جهة تازة الحسيمة، تاونات، الذي رافق "المغربية" في جولة عريضة لأماكن تاريخية من تازة، لتنتهي الزيارة بلقاء مع حسن هرنان، المدير الجهوي لوزارة الثقافة، جهة تازة الحسيمة تاونات، استطاعت معه استيعاب المزيد مما تفضل به من معلومات عن تازة.

إن الرحلة إلى تازة تحقق لصاحبها الانطلاق والتحرر من حياة الصخب والضجيج، وهي التي تملأ ناظره بالألوان الزاهية للطبيعة وتفتح أفق نظره على بسيطة تتمدد فيها معالم ومبان أثرية متنوعة.

نشأت بين "تازة" و"المغربية" مودة خاصة، فرضت زيارة تتوخى كشف ميزات مدينة تاريخية وأثرية، في خضم الخاصية الطبيعية المعروفة عنها، وكانت الغاية الاطلاع على طبيعة المباني والمعالم وتاريخها، وكشف مواطن الجمال المتعدد بتباين المكونات الجغرافية والتاريخية والطبيعية.

لم يكن متوقعا من الزيارة أن تصادف الترميمات الجارية على أسوار المدينة العتيقة لتازة، حتى تأتى لـ"المغربية"، معاينة بعض الأشغال عن كثب، فالاقتراب من أحد الأسوار على نحو متفحص لطبيعة مواد البناء، أثار في النفس شعور بالانتماء للفترات المتعاقبة على هذا الإقليم، حتى خلفت قسمات من حضاراتها المتعددة.

الحركية التي أثارتها أشغال ترميم الأسوار أوحت بأن تازة تسترد ماضيها، أما إطلاق العنان للذات في تذوق معاني مبانيها الأثرية، يسعف في فهم بعض من تاريخ الإقليم،
ثمة موروث حضاري وأثري يتسم بخصائص تشكيلية واضحة للمتلقي، حيث تمتلك تازة زخما من التراث المادي، مثل الأسوار والأبراج والأبواب والمساجد.

بطابع إسلامي

كانت الشمس بضوئها المتطاير شررا تغمر أجواء تازة، وكان إشعاعها المنعكس على الأرض، يزيد من جمال مشهد الترميمات الجارية، حيث كانت "المغربية" تنصت إلى حديث العزوزي، المفتش الجهوي للمآثر التاريخية، جهة تازة الحسيمة، تاونات، وهو يروي أنه "رغم أن مدينة تازة العتيقة لا ترقى إلى المدن العتيقة الكبرى مثل فاس ومراكش، إلا أنها لا تقل عنها أهمية باعتبار قيمتها العلمية والثقافية والتراثية.

وقال إنها من أقدم المدن الإسلامية في المغرب الأقصى وموقع أثري معروف يؤرخ لفترة ما قبل التاريخ، وكذا للفترة الممهدة للتاريخ، إذ حافظت على طابعها المعماري الإسلامي المتأثر بالنمط الأندلسي التلمساني.، وكانت أول المدن التي استفادت من مجموعة من الظهائر والقوانين والمراسيم، التي تقنن استعمال المجال داخل أسوار المدينة، فكان لهذه الترسانة القانونية الأثر البالغ في الحفاظ على الشكل الأصيل للمدينة.

كما أضاف العزوزي أنه رغم اختلاف المؤرخين حول التاريخ الحقيقي لبناء مدينة تازة وكذا من قام بذلك، فإنهم متفقون على وجودها قبل الفتح الإسلامي بعشرات السنين، إضافة إلى كونها مركز تجمع بشري قديم جدا يعود إلى فترات ما قبل التاريخ، وكانت أيضا موقعا استراتيجيا يسارع إلى التمكن منه كل من تصبو نفسه للاستيلاء على المغرب كله، أو في أبعد الأحوال على عاصمته فاس، ما جعل هذه المدينة تبرز على مسرح الأحداث السياسية والعسكرية كقاعدة مهمة تارة، وتبرز كمعلمة حضارية وثقافية حين يستتب الأمن تارة أخرى.

من يستطيع تحسس جمال البساط الأخضر لتازة، يمكن أن يستأثر باهتمامه إفادات العزوزي التاريخية للإقليم، فهو حسب قوله بأسلوب ينم عن علاقة وجدانية بينه وبين تازة.

"فالمدينة تضرب جذورها في أعماق التاريخ لتستنشق أريج التطلع إلى المستقبل الواعد، محاولة الحفاظ على طابعها التقليدي البسيط في شكله، الغني في مضمونه، لقد احتفظت المدينة ببصمات كل الأسر المتعاقبة على حكم المملكة، فكانت كتابا جامعا يعكس تاريخ الأمة بأكملها، ولعل أولى صفحات هذا الكتاب هو نسقها الدفاعي المرتكز على الأسوار الشامخة المسيجة لها، مدافعة عن كيانها وحامية لها من قسوة المناخ وهجمات الأعداء، فكانت بحق غلافا لهذا الكتاب، كتاب يضم أبوابا بعدد أبوابها وفصولا بعدد معالمها".

تجمع بشري قديم

هدوء يثير الإحساس بأن المعالم الأثرية بقدر ما تختزن إيحاءات ومفاهيم ودلالات تاريخية، فهي تختزل أحداثا ماضية أسست الطابع الفريد لهذه المدينة "الطبيعية الأثرية"، لتدعو الزائر إلى تصفح صفحاتها من خلال المعلومات التي قدمها العزوزي عنها بإسهاب متسلسل، حسب الكرونولوجية التاريخية لتازة.

وأفاد أن استقرار السكان بالموقع الذي تقع فيه مدينة تازة حاليا يعود إلى فترات قديمة جدا تقدر بآلاف السنين، حيث اتخذ إنسان ماقبل التاريخ مغارة كفان بلغماري والكهوف المجاورة لها مسكنا له منذ زمن بعيد، بل كان يتناوب على استعمالها مع حيوانات أخرى كانت تجوب المنطقة، ويعود الفضل في اختيار هذا الموضع إلى قيمته الاستراتيجية من جهة، وإلى توفر كل ظروف العيش من مأكل ومشرب وطيب هواء وأمن من جهة أخرى.

وفي بداية القرن العشرين (1916/1917) قام الملازم أول كومباردو بحفريات في مغارة كيفان بلغماري أسفرت عن تجميع لقى أثرية وبقايا عظمية مهمة، جرى نقلها بعد دراستها إلى مدينة وهران، حيث خصصت قاعة كبيرة في متحف المدينة لعرض جزء منها، لتبين الدراسة التي همت الأدوات الحجرية أن بعض هذه الأدوات يعود إلى الحضارة الأشولية الحديثة والبعض الآخر يعود إلى الحضارة الموستيرية والحضارة العتيرية، فيما تعود أغلبية الأدوات إلى الحضارة الإبيروموريزية.

أما الدراسة التي همت البقايا العظمية فقد كشفت أن العديد من أصناف الحيوانات كانت تعيش بهذه المنطقة مثل الأسد والنمر والضبع والدب وغيرها. وجرى استغلال الحجر الكلسي لتعديل العديد من الكهوف في الفترة الممهدة للتاريخ، حيث تكاثر السكان بعد الثورة النيوليتية، وما زالت هذه الكهوف شاهدة على هذه الحقبة، وقد استعملت لفترات طويلة حتى بداية القرن الماضي.


الأسر المتعاقبة على تازة

يهب هواء بارد على المرتفعات والمنخفضات وعلى البنايات وعلى الأشجار، حيث إن تازة تتنوع فيها الأشكال التضاريسية وتختلف فيها أنواع النباتات والأشجار، وتتجمل طبيعتها بخاصياتها المعمارية المتميزة، وأثناء استعذاب الجو الجميل لتازة، حاولت "المغربية" متابعة الأخبار التاريخية، التي تفضل بها العزوزي بلهجة هادئة ومتزنة، وفق تسلسل منتظم للأفكار.

وقال إنه "قبل استتباب الأمر للمولى إدريس بالمغرب الأقصى كانت مدينة تازة معقلا للقبائل الزناتية التي كانت تجوب المنطقة، وعند دخول الفاتحين المسلمين لشمال إفريقيا كانت تازة حاضرة إلى جانب مدن أخرى كسبتة وطنجة، إلا أنه على المستوى الأركيلوجي لا نستند إلى أي معطى يسعفنا في هذا الشأن سوى بعض الافتراضات والتكهنات من قبيل إرجاع بناء مسجد للا عذرا إلى هذه الفترة، لكن دون سند علمي حقيقي أو مصدر تاريخي واضح".

وإذا كانت المصادر التاريخية قد تحدثت عن حكم الأدارسة لمدينة تازة، فإننا لا نجد من شاهد أثري غير ما قيل عن السور المبني بالحجر المعدل أو مسجد الأندلس، هذا الأخير يمكن من ناحية التطور الحضري العمراني للمدينة أن يكون إدريسيا، إلا أن كثرة الإصلاحات التي خضع لها لا تساعد على التأكد من الفترة التي بني فيها على وجه التحديد،

ويبقى ما ورد في روض القرطاس أهم ما يؤرخ لهذه الدولة بمدينة تازة.

وبعد استيلاء المرابطين على تازة بعد الحروب المريرة والمنطقة المحيطة بها، دخلت هذه الأخيرة في مرحلة الانكماش السياسي، بحيث لم تقدم لنا المصادر أي شيء عن الدور السياسي أو العسكري الذي قد تكون لعبته منطقة تازة خلال ذلك العهد، ويرجع هذا الانكماش بالأساس إلى اهتمام المرابطين بالأندلس وصرف أنظارهم عن الشرق بالإضافة إلى غياب أي حركة يمكن أن تقلق الوجود المرابطي في تازة.

وجب انتظار ظهور الموحدين كي تستعيد منطقة تازة دورها العسكري والسياسي ولتدخل بذلك عهدا جديدا لم تشهد له مثيلا من قبل، فقد أصبحت تازة مع مجيء الموحدين تسمى رباطا، والرباط في هذه الفترة إنما كان يطلق على المدينة التي كانت تتوفر على التجهيزات العسكرية من ثكنات الجند ومواقع التدريب ومنها توجه الجيوش وإليها تعود.

كانت إذن مدينة تازة أحد أهم الربط في زمن الموحدين ومنها رباط الفتح، ورباط تازة ورباط ماسة، ورباط أسفي، ولعل الفضل يعود لمدينة تازة في وصول حكم الموحدين إلى حدود برقة شرقا وإلى طلوشة شمالا. ويتساءل العزوزي خلال معرض شروحاته،"إذن ليس هناك مجال للشك في ما جاءت به المصادر التاريخية من القيمة، التي وصلتها مدينة تازة إبان الحكم الموحدي فهل هناك ما يدعم ميدانيا هذه المعطيات؟".

ويستدل العزوزي على مرور الموحدين بتازة بنسقين يتمثلان في النسق الدفاعي المتمثل في الأسوار والأبواب والأبراج من جهة، والجامع الأعظم من جهة ثانية.

وذكر لـ"المغربية" خلال الاطلاع على هذه المعالم أن الأمير الموحدي عبد المؤمن بن علي أمر بتسوير مدينة تازة سنة 1144م وجهزها لتصبح رباطا منطلقا لجيوش الموحدين خصوصا في اتجاه الشرق، موضحا أن الشاهد الثاني الذي ما زال يعيد ذكرى الموحدين بتازة هو النواة الأولى للجامع الأعظم بتازة.

ويتميز المسجد الموحدي بعظمة بنائه الذي مازالت تشهد عليه أعمدته إلى الآن، على شاكلة العمران الموحدي يتميز هذا المسجد بعظمة البناء وبساطة أشكال التزيين والتنميق.
ويقول العزوزي "إذا كانت المدينة قد أصبغت بطابع عسكري وسياسي إبان الحكم الوحدي، فإنها ستنحو مع المرينين منحى آخر يتميز في مجمله بنشر الثقافة والعلوم وكل أشكال التحضر، يشهد على ذلك عدد العلماء والرواد، الذين أنجبتهم مدينة تازة في هذه الفترة ناهيك عن المكانة التي أولاها بنو مرين لهذه المدينة.

ومع مجيء السعديين إلى مدينة تازة التي كانت قد أنهكتها الحروب باعتبارها موقعا عسكريا واستراتيجيا يغري كل طامع في حكم المغرب للاستيلاء عليه، ومع موجة الاستقرار التي سيعرفها المغرب آنذاك ستعرف المدينة بعض الانتعاش، حيث سترمم الأسوار والمنشآت المدنية والعسكرية وستعود مدينة تازة مرة أخرى للعب دورها العسكري الذي جبلت عليه.

وهكذا سيجري تشييد البستيون السعدي لمواجهة هجمات الأتراك الجزائريين المتتالية والتي كانت قد وصلت ذروتها إبان الحكم الوطاسي فاستطاعوا الدخول إلى مدينة فاس، ومن أجل ذلك كله جرى الاعتماد على مدينة تازة ونجحت في المهمة، التي أوكلت لها ولم يستطع الأتراك الدخول إلى داخل المغرب".

وبينما كان العزوزي يقدم الكثير من المعلومات والأخبار التاريخية والأركيولوجية حول تازة، التي جاءت على شكل شريط يوزع الأحداث عبر مراحل، اتضح لـ"المغربية" أن الرحلة لهذا الإقليم تدعو إلى تكرار الزيارة في مناسبة أخرى حتى تكافئ بين ما نالته من معلومات تاريخية وبين المعالم الأثرية العديدة لم تتوقف إلا عند بعضها، ويمكن القول بعد جولة مفيدة في تازة أن "هذا الإقليم بجانب التنوع الطبيعي، وضعت الظروف والأحداث التاريخية بقلبه المعالم الحضارية والأثرية الأكثر جمال ورعة".

العزوزي: تازة تعكس تطور الهندسة والعمارة العسكرية خلال العصر الوسيط

حسبما اقتضته الخبرة المهنية والتكوين الأركيولوجي والعلمي لمحمد العزوزي، المفتش الجهوي للمآثر التاريخية، جهة تازة الحسيمة، تاونات، ذكر أنه يمكن الوقوف على أنواع من الأسوار بتازة.

أسوار مبنية بالحجر المعدل المستخرج من الأجراف المجاورة للموضع، مكونة من الحجر الكلسي المسمى "تافزة"« travertin » يتميز هذا النوع بخفته وصلابته وتفاعله الجيد مع الجير، أما النوع الثاني فهو المصنوع بالرمل والجير فقط، بعد خضوعه لعملية التخمير لفترات طويلة وإفراغه بعد ذلك في قالب خشبي ودكه إلى حين الحصول على الصلابة المطلوبة، هذه التقنية معروفة بالمغرب باسم تقنية الطابية.

يقول العزوزي إن "الأسوار الموجودة بتازة والمبنية بهذه الطريقة تنقسم إلى قسمين، الأول يتميز بالصلابة والتماسك الكبير بين مكوناته المؤلفة من الرمل والجير والحصى وبعض الأحجار الصغيرة، بالإضافة إلى مكسرات الفخار وبقايا الرماد والفحم، ويصل سمك هذه الأسوار في بعض المناطق إلى مترين، وتعود إلى الفترة الموحدية.

أما القسم الثاني فيغلب عليه استعمال الرمل والجير وبقايا الفخار والرماد، وعلى الرغم من صلابته فإنه لا يصل إلى صلابة الأسوار الموحدية، ويصل سمك هذه الأسوار إلى حوالي متر واحد، ويرجع تاريخ هذا الجزء إلى الفترة المرينية، هذا في ما يخص الأسوار المبنية بالطابية.

أما الأسوار المبنية بالحجر المعدل والمزينة ببعض الرسومات على بلاط الواجهة فهي تعد القطع الأقدم، لعلاقتها بأسوار الطابية، هذه الرسومات هي عبارة عن أغصان الزيتون ملتفة حول الأحجار الكبيرة من السور، وتوجد هذه التقنية في البناء بالفترة المرابطية وما قبلها، يقول العزوزي على نحو يعكس دراية كبيرة بتقنيات البناء.

وبخصوص الأبراج التي تشكل الدعامة الأساسية للنسق الدفاعي للمدينة، فتنقسم إلى قسمين أبراج دائرية ونصف دائرية مبنية بالحجر وتعود إلى الفترة المرابطية والإدريسية، وأبراج مربعة أو مستطيلة مبنية بالطابية تعود في مجملها إلى الفترة الموحدية والمرينية وما بعدها.

ويشير العزوزي في هذا الصدد إلى برج يختلف عن باقي الأبراج وهو حصن البستيون السعدي، الذي يعود إلى الفترة السعدية، وقد ورد في كتاب عبد العزيز الفشتالي مؤرخ الدولة السعدية أن السلطان أحمد المنصور الذهبي أمر ببناء هذا الحصن بمدينة تازة سنة 1585م في إطار سلسلة من الحصون جرى بناؤها في كل من فاس والعرائش وغيرهما من المدن.

يوجد هذا الحصن في الركن الجنوبي الشرقي من المدينة، وشيد لاستقبال الأسلحة النارية من مدافع وغيرها لتأمين الجهة الشرقية، التي كانت مهددة باستمرار من خلال التدخلات المتكررة لأتراك الجزائر.

وتبقى الزاوية الثالثة في مثلث النسق الدفاعي بمدينة تازة، وفق ما أفاد به العزوزي، هي التي تشكلها الأبواب ذات القيمة الكبيرة جدا في المعمار الإسلامي، حيث يعتبر الباب معلما مستقلا بنفسه قائم الذات يخضع في بنائه إلى تفاصيل دقيقة، يمليها بالدرجة الأولى الموضع الذي جرى اختياره لتشييد الباب فوقه، وكذا الدور الأساسي الذي سوف يقوم به هذا الأخير، لذا قد نجد بابا بمدخل عبارة عن زاوية واحدة coudé أو زاويتين مترادفتين double coude، مغطاة بالكامل أو جزئيا.

و يتوفر السور الدفاعي بتازة وفق ما ذكره العزوزي على ستة أبواب وهي "باب طيطي" و"باب القبور" و"باب الجمعة التحتية" و"باب الجمعة الفوقية" و"باب المعارة" و"باب الريح"، اعتمادا على التطور العمراني للمدينة وعلى تقنيات البناء في غياب المصادر التاريخية.

لن نكون بعيدين عن الصواب إذا ما نحن اعتبرنا أن "باب طيطي" و"باب القبور" "وباب الجمعة الفوقية" تعودان للفترة الموحدية أما "باب الجمعة التحتية" و"باب المعارة" المندثرة حاليا و"باب الريح" فتعودان إلى الفترة المرينية.

هرنان : الجامع الأعظم عمارة دينية تشهد على البعد الروحي والحضاري لتازة

رغبة من "المغربية" في تحصيل متعة التعرف على نماذج من العمارات الدينية بتازة، توجهت إلى المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، جهة تازة الحسيمة تاونات، حيث استقبلت من طرف حسن هرنان مديرها الجهوي، الذي حملت إليه مجموعة أسئلة واستفسارات عن خاصية بناء العمارة الدينية، لتسد الحاجة إلى إتمام صورة عامة عن إقليم تازة بكل أبعاده التاريخية والأثرية.

وتحدث هرنان أن "المغاربة أبدعوا خلال العصر الوسيط في بناء العمارة الدينية، وكنموذج على ذلك "الجامع الأعظم" وثرياه الفريدة، إذ
يعود تخطيط المسجد الأعظم بتازة حسب ما أكدته المصادر التي أرخت للدولة الموحدية وما بعدها، إلى الأمير الموحدي عبد المؤمن بن علي، في الفترة نفسها التي أمر فيها بتسوير المدينة كليا، ويعتبر هذا المسجد من أهم المعالم الأثرية بالمدينة لبعديه الروحي والحضاري.

ويتميز المسجد الموحدي بتفرد طريقة بنائه التي تعتمد على أسوار سميكة وأعمدة ضخمة تعلوها قبب في غاية الجمال، أما مظاهر الزينة في المسجد، فقد جاءت بسيطة، والظاهر أن البساطة في التزيين والتنميق عند الموحدين ارتبط بإيديولوجيتهم الدينية التي كانت تبتعد عن الترف والبذخ الزائد، خصوصا في المباني الدينية.

ودونما إهمال لخاصيات البناء المعماري، وبتوظيف مكثف للغة تعبيرية، كان هرنان يسرد على نحو يعكس إلمامه بتاريخ تازة وآثارها، أنه رغم صغر المسجد الموحدي مساحة إلا أنه يوحي بعظمة البناء، نظرا للتناسق بين المساحة المبنية والعلو، وكذا عرض البلاطات وطولها والأقواس المختارة المقامة عليها، هكذا نجد هندسيا المسجد ذا تخطيط مستطيل متساو ومتناسق بالنسبة لمحور المحراب.

وأضاف أن المسجد الموحدي سيعرف إصلاحات وتوسعات كبرى مع الدولة المرينية، همت هذه الإصلاحات زيادة أربعة بلاطات جهة القبلة وبلاطين شرقا وغربا، إضافة إلى الصحن الكبير مع إصلاح فتحات الصومعة وتتويجها بشاكلة من الزليج، ويبقى المحراب المزين بالجبس المنقوش بدقة والمرفوع على عمودين متماثلين، تتقدمهما قبة مزينة بزخارف تنم عن جمالية نادرة.

في هذه الفترة جرى تجهيز المسجد بمرصد للتوقيت وبمدرسة لتعليم الطلاب إضافة إلى مكتبة مهمة وكتاب لتعليم الصغار، كما كان المسجد يتوفر على منبر وعنزة تستعمل عند زيارة الملوك.

وأوضح هرنان أنه بمزيد من الاهتمام والعناية جرى تجهيز المسجد بساعات شمسية وبثريا عظيمة مصنوعة من النحاس الجيد تعتبر مفخرة تازة بامتياز، وتشكل ثريا تازة تحفة فنية من تحف الفن المغربي الإسلامي الرفيع وقد علقت بالجامع الأعظم سنة 694 هجرية وتزن 32 قنطارا، أما عدد كؤوسها فيصل إلى 514 كأسا، وتتجلى جماليتها وروعتها في نقوشها البديعة.

كما نقشت على الثريا ذات الشكل الكمثري آيات من سورة النور وآيات من أواخر سورة البقرة، نقشت في أماكن أخرى من الثريا قصيدة شعرية تؤرخ لصانعها وواضعها بهذا المسجد الجامع.

وحين كان هرنان يبرز خاصيات الجامع الأعظم المعمارية والأثرية، أكد أنه أدى على مر مراحل التاريخ دورا مهما في ازدهار الحركة الفكرية بهذه المدينة، وكان مركزا للتبادل الثقافي والفكري وقبلة لأهل العلم والمعرفة.




تابعونا على فيسبوك