هدفها توفير شروط الصحة العضوية والنفسية والاجتماعية للمرضى

جمعية مستعملي الطب النفسي.. من هنا يبدأ علاج الشيزوفرينيا

الثلاثاء 12 نونبر 2013 - 14:44

في إحدى الشقق السكنية في إقامة الفردوس بمنطقة الحي الحسني في الدارالبيضاء، يقع مقر جمعية مستعملي الطب النفسي وجمعية "أملي" لعائلات مرضى "الشيزوفرينيا".

هنا يلتئم آباء وأمهات وأخوات الأشخاص المرضى لتبادل تجاربهم في التعامل مع ذويهم المرضى، ويتلقون تكوينات لتقوية أدواتهم التواصلية مع المرضى وجعلها أكثر فعالية ونجاعة.

كانت الساعة الثالثة بعد الظهر، حين زارت "المغربية" مقر الجمعية، حيث صادف موعد الزيارة اجتماع عائلات المرضى للنقاش حول استراتيجية عملهم للسنة المقبلة، إلى جانب حضور مجموعة من مستعملي الطب النفسي، لتقلي درس في المعلوميات.

نقاش العائلات

داخل قاعة تقارب مساحتها 4 أمتار مربعة، مؤثثة بطاولات وكراسي، حديثة الاقتناء، من قبل متعاطفين مع قضية مرضى الفصام، التف نساء ورجال وشباب، من ذوي مصابين بالفصام للنقاش حول ما بلغوه من أهداف وحول انتظاراتهم المستقبلية.

بدون مقدمات، فتح باب النقاش بين الحاضرين، تجاذب خلالها مرضى وعائلاتهم أطراف الحديث، كل يشارك في طرح الأفكار، وتشخيص الوضعية واقتراح الحلول في محاولة لتجميع مختلف أوراق ملف رصد الاحتياجات الصحية للمرضى وانتظارات العائلات الاجتماعية والمعنوية.

كشف النقاش عن وجود قاسم مشترك بين أفراد عائلات المرضى، وهو حاجة عائلة المريض الملحة لمد يد المساعدة إليها، لضمان استمرارها وإطالة نفسها في تحمل مشقة التكفل بشخص مصاب بمرض نفسي أو عقلي داخل البيت.

مطالبهم بسيطة: توفير الدواء من دون انقطاع، حقهم في زيارة الطبيب داخل آجال معقولة وغير متباعدة، وضمان حقهم في سرير للاستشفاء، ولما لا تخصيص زيارة دورية منتظمة لذويهم من قبل إطار طبي أو في التمريض، داخل بيت أسرة المريض، سيما للمرضى الذين لديهم وضعية خاصة، بدعم من وزارة الصحة.

خلال جميع مراحل النقاش المفتوح، كان حضور المرضى في التعبير عن آرائهم بارزا وفعالا، على خلاف ما قد يعتقده البعض عن مرضى "الشيزوفرينيا"، سيما منهم ذوو الحالة المستقرة.

كان صوتهم مسموعا في قاعة الاجتماع، يعبرون عن آرائهم بوضوح، ويبسطون أفكارهم بسلاسة، ويقترحون حلولا بديلا للخروج من أزماتهم، يشرحون ويتكلمون. لا يجدون حرجا في الكشف عن بعض أعراضهم المرضية.

يعون أنه كانت تراودهم أفكار "غريبة" تتطاير في رؤوسهم، بعيدة كل البعد عن واقعهم. وهو ما استدلت عليه أم إحدى الشباب المصابين، حين قالت إن ابنها يحدثها عن مطاردته من طرف عصابات دولية.

في هذه الأثناء، ارتسمت على محيا الحاضرين ابتسامات، وحفز مجرى النقاش آخرين على سرد أفكار شبيهة، انتهت بتذكر أم اعتقد ابنها نفسه أنه المهدي المنتظر.

حيوية المرضى

بين فينة وأخرى، يرن جرس باب الشقة، إيذانا بقدوم منخرط جديد، دون أن يقطع حبل مواصلة النقاش. ويندمج الوافد الجديد في النقاش المفتوح بكل سلاسة.

صادف الاجتماع قدوم شاب، في الثلاثين من عمره، يعاني حالة الاكتئاب الحاد، عجز عن مقاومته ومكافحة الأفكار القهرية والسوداوية التي تراوده، ففكر في الانضمام إلى أعضاء جمعية مستعملي الطب النفسي، لمشاركتهم أنشطتهم، في سعي لتخفيف ما يشعر به من ثقل داخلي.

ارتفعت حرارة النقاش، وبلغت مضامين لائحة مطالب المرضى وعائلاتهم إلى تمكين المرضى من فضاء مناسب لتنفيذ أنشطتهم المختلفة لمساعدتهم على الخروج من دائرة التفكير في المرض، بعيدا عن أجواء العلاجات وتناول العقاقير والخضوع للفحوصات.

يريدون فضاء مفتوحا، يتيح للمرضى ممارسة هواياتهم أو اكتشاف ما يمتلكونه من ملكات وقدرات داخلية، قمعها المرض من التفتق، سواء في مجال المهارات اليدوية أو الإبداعات الفنية.

جميع الأفكار التي عبرت عنها أسر المرضى، تعري عن قناعتها القوية بحاجة ذويها إلى بنيات تحتية تيسر لهم الاندماج في الحياة العامة، ذلك أن بقاءهم في عزلة داخل إحدى زوايا البيت، يعجل بإنهاء حياتهم، بعد أن تتسلل إليهم مشاعر الوحدة والانعزالية.

بصوت واضح عبر المرضى عن حاجتهم إلى تمتيعهم بإمكانات ملء وقتهم في أنشطة مفيدة لصحتهم النفسية والعضوية، إلى وجود شريحة مهمة من مرضى "الشيزوفرينيا"، الذين يتمتعون باستقلالية، وقادرون على العيش بشكل مناسب داخل المجتمع، وفي وسط العمل، شريطة مصاحبتهم وتأطيرهم.

ومن ثمة وجهت عائلات المرضى دعوة إلى الجهات المسؤولة لتميكن الجمعية من فضاء رحب، لمجالسة العائلات والاستماع إليها، وفتح ورشات لأنشطة متنوعة، مثل الموسيقى والرسم وأنشطة أخرى، لما لها من فائدة على الصحة العضوية والنفسية والاجتماعية للمرضى، كما فيها تخفيف على الأسرة وأفرادها من عبء العناية المستمرة بشخص مريض بالفصام.

تعي عائلات المرضى أن من شأن الرعاية المتكاملة والشاملة بالأشخاص المصابين بداء الشيزوفرينيا، له آثار إيجابية جدا على مستوى خفض أيام الاستشفاء داخل المستشفيات، وبالتالي خفض كلفة العلاجات على ميزانية الدولة من جهة، وعلى ميزانية الأسر الراعية للمرضى، من جهة أخرى.

لحظة، وتناسلت أفكار متنوعة في الموضوع، بين مؤمن بأن الرعاية المتكاملة تساهم في خفض نسبة الأشخاص المشردين ودون مأوى والمتسولين الذين نصادفهم في الشوارع والأزقة، وعند أضواء الإشارات الضوئية، حيث شريحة منهم يحملون أمراضا نفسية أو عقلية، وضمنهم مرضى "الشيزوفرينيا".

بينما ركزت أفكار أخرى على أن من شأن اعتماد هذا النوع من الرعاية، تحسين صورة المغرب بهذا الخصوص، وبالتالي خفض نسبة ارتكاب الجريمة المرتبطة ببعض الأمراض النفسية والعقلية، سواء في صفوف مرضى "الشيزوفرينا" غير المستقرين، أو المصابين بأمراض نفسية أخرى، لكنهم لا يخضعون لأي علاجات طبية، سيما أن المرضى يعيشون العطالة وفقدان إمكانية المساهمة في أعمال اجتماعية.

الدواء والعناية أولا

استأثر حديث عائلات المرضى حول موضوع توفير أدوية من الجيل الثالث بحلول 2016، كما سبق أن وعدت بذلك وزارة الصحة، في مناسبات متفرقة، لتحسين جودة علاجات المرضى وضمان استقرارهم الصحي.

لم تتحرج الأمهات، والأخوات، والآباء، من التأكيد على أن إصابة ذويهم حولهم إلى أشخاص مرضى، بسبب ثقل مسؤولية رعاية شخص يحمل مرضا نفسيا.

وتبعا لذلك، يطالبون المسؤولين بالالتفاتة إليهم، والأخذ بعين الاعتبار ما يلفونه من مشاعر تعب وإجهاد وألم نتيجة تحملهم لطاقة تفوق قدراتهم وتتعدى مستوى عتبة تحملهم المنفرد لشخص يعاني مشاكل واضطرابات نفسية أو عقلية.
من أشد مطالب أسر المرضى في المغرب ضرورة تدخل وزارة الصحة لخفض تكلفة العلاجات وتعميق البحوث العلمية والطبية لعلاج المرضى، موازاة مع الأمل الذي منحته البحوث الأولية حول إمكانية التشافي من المرض، والتعايش معه مثل باقي الأمراض المزمنة مثل السكري.

ولذلك، تتشبث الأسر بضرورة توفير العلاجات الطبية للمرضى، لتحسن جودة حياة المصابين، لضمان عيشهم بشكل عادي وسط باقي أفراد المجتمع، سيما أن الدراسات الطبية تفيد أن حوالي 30 إلى 40 في المائة من مرضى الفصام يمكن أن يشفوا تماما من مرضهم، خصوصا الذين اكتشفت إصابتهم مبكرا وشرعوا في أخذ العلاجات في الوقت المناسب، وعلى يد أطباء اختصاصيين ومدربين في علاج هذا النوع من الأمراض النفسية.

قناعة العائلات بأن توفير الدواء مفيد جدا للأسرة والمرضى والدولة، مرده إلى أن توفير العلاجات يخفض عدد أيام إقامة المريض في المستشفى، سيما في ظل ضعف الأسرة المخصصة للمصابين بأمراض نفسية وضعف عدد الأطباء المختصين في الصحة العقلية والنفسية.

أوراش التفتح

بعد انفضاض اجتماع عائلات المرضى، كان لمستعملي الطب النفسي موعد مع حصة تعلم المعلوميات. انضمت مجموعة منهم إلى قاعة، من حوالي ثلاثة أمتار مربعة، مؤثثة بأجهزة حواسيب وأدوات معلوماتية، إلى جانب خزانة خاصة بالمنتوجات اليدوية للمرضى، في مجال الرسم على الزجاج وعلى الثوب، من تأطير متطوعين في المجال، متعاطفين مع قضية الجمعية.

تعد ورشة تعلم المعلوميات فرصة للمرضى لتحيين المعطيات الشخصية ولتدارك ما فات كثير منهم في تعلم أمور عصرهم بسبب المرض.

أخذ مستعملو الطب النفسي يحركون الأيقونات، يرقنون، ويداعبون فأرة الحاسوب ذات اليمين وذات الشمال. يستفسرون عن أمور ويستمتعون بكتابات معلوماتية. يشعر المتتبع لحركات هؤلاء المتعلمين الجدد بفرحة تلم أفئدتهم، لسعادتهم بتعلمهم أمورا جديدة.

يجد رضوان لطفي، رئيس الجمعية المغربية لمستعملي الطب النفسي، أن ورشة تعلم المعلوميات والإبحار عبر الأنترنيت لحظة مهمة لتدار تعلم أمور تجاوزته بسبب المرض، وفرصة ثمينة لتوظيف وقته في ما هو مفيد لصحته العضوية والنفسية.

تحدث رضوان لطفي عن أنه حين أتيحت له فرصة العمل في أحد مراكز الاتصالات، بعد استقرار حالته المرضية، واجهته إكراهات متنوعة لها صلة بالتعامل مع التقنيات المعلومياتية، وحتى مع أبسط وسائل التعامل مع الحاسوب ومع الوسائط الاجتماعية الجديدة ووسائل النشر الحديثة.

قال إن المرض غير مسار حياته، وأوقف نشاطه الدراسي وغيبه عن أسوار مؤسسات التعلم، وأخذه بعيدا عن شاطئ الحياة العادية.

الآن، يتمتع رضوان بحالة صحية مستقرة، الشيء الذي جعله يعي أهمية تدارك ما فاته من معارف لمسايرة خصوصيات عصره، سيما بعد أن بات التعامل بالمعلوميات أمرا لا مفر منه، خصوصا مع الأصحاء الذين سبقوه بسنوات تعلم طويلة.

بكل ثقة في النفس، ووعي بالوقائع وبأفكار مرتبة، عبر رضوان عن أن انضمامه إلى هذه الورشة يشعره بالاستقلال الذاتي، وبالثقة في النفس وفي إمكانات تطور ذاته وتأقلمها مع وضعه الصحي، لما قد يساعده في تغيير مساره الشخصي والمهني.

أما بالنسبة إلى الزهري، أب لثلاثة أطفال، في الخمسين من عمره، عبر عن أن انضمامه إلى هذه الورشة التعليمية، ترجمة لطموحه الكبير في التعلم وفي اكتساب أي معرفة جديدة. ولذلك، سارع إلى خلق صفحة خاصة به على الموقع الاجتماعي "الفيسبوك"، حيث ينشر كتاباته وخواطره، التي تراكمت في أوراق متفرقة.

أغلب هذه الكتابات ذات صلة بمجال علوم النفس، التي يطلع عليها عبر عدد من المراجع والموسوعات، حررها منذ سنة 1984.

الآن يتعلم الزهري بشغف كبير وبشكل ملفت للانتباه يسعى إلى رفع مستوى تعامله مع الأجهزة الإلكترونية ليوثق كتاباته معلوماتيا.

وفي سؤال حول سر اهتمامه بمؤلفات علم النفس، كان جوابه سريعا ودقيقا، إذ قال إنها تمنحه الراحة النفسية، وتقدم له إجابات على مجموعة من الاستفسارات، إلى جانب أنها تحقق له السلم مع ذاته، وتزيل عنه الشعور بالمتناقضات الداخلية.

أما آيت الحسين، شاب في الثلاثين من العمر، فيجد في حصة تعلم المعلوميات فرصة لمحو أميته في المجال، ولحظات لا تعوض، تتيح لقاءه بباقي مستعملي الطب النفسي، وتبادل التجارب معهم في طرق التعامل مع المرض.

تكوين العائلات

مجموعة لا يستهان بها من أسر المرضى، واجهت صعوبات التواصل مع ذويها المرضى، واكتشفت افتقارها لأدوات التعامل السليم مع شخص يعاني مشكلة عقلية أو نفسية. ومن هنا تولدت فكرة تطبيق برنامج موجه للعائلات التي لا تتوفر على أي معلومات أو رصيد معرفي حول الداء وخصائصه، لتفهم الحركات والسلوكات الصادرة عن المريض.

هذا الواقع اضطر جمعية عائلات المرضى "أملي" البحث عن برامج لتكوين العائلات وفق برنامج معتمد في الخارج، يمنح الأسرة تكوينا حول أفضل الطرق للتعامل مع مرضاها، لما لذلك من أثر إيجابي على جودة حياتها وصحتها وصحة المريض، وبالتالي تصبح شريكا في العلاج وفي مساعدة المريض على تخطي حياته الصعبة.

خلال النقاش المفتوح بين الأسر، كان هناك إجماع على دور أسرة المريض في مساعدة الطبيب على اتخاذ القرار المناسب لوصف العلاجات المناسبة لذويهم المرضى، لدورها في التقدم وتنمية حياة المرضى.

في هذه الأثناء، تدخل أحد المرضى لعرض تجربة والدته التي أتاحت له فرصة التعايش السلس مع المرض، بفضل انضمامها إلى حلقات التكوين، رغم أنها لا تتمتع بقدرة كبيرة على القراءة والكتابة، إلا أنها امتلكت أدوات ومهارات جيدة في التعامل معه، بفعل فطنتها ووعيها الكبيرين.

ارتسمت على محيا الحاضرين ابتسامات منوهة ومؤيدة لعمل هذه الأم، ما جعلهم يؤكدون على ضرورة الاستمرار في دعوة عائلات أخرى للاستفادة من هذه التكوينات.

في هذه اللحظة، أثارت الأمهات النقاش حول حاجة أسرة المريض إلى طمأنتها عن مصير ذويها المرضى، بعد ممات المعيل والمتكفل بالمريض داخل الأسرة، حتى لا يتعرض ذويها إلى الضياع وخروجهم إلى الشارع.

برنامج تكوين العائلات

نظرا لثقل المسؤولية الملقاة على أسر المرضى، أضحى برنامج التكوين العائلات يسمح بتكوين العائلات حول كيفية تدبير يوم المريض، والرفع من مستوى تفهمها لطبيعة المرض وخصائصه، من حيث سببه وتطوره وأعراضه، وتمكينها من الأجوبة الأكثر ملاءمة حول الداء.

أضحت العائلة تعي بالخطوات والسلوكات الواجب تبنيها في التعامل مع ذويها، لتفهم طبيعة مرضهم واستيعاب طريقة تفكيرهم ونظرتهم إلى الأشياء ليسهل التواصل بين الجانبين، وبالتالي تجنب التصادم مع المرضى بسبب الأفكار التي تدور في ذهنهم وتسيطر على أفكارهم وسلوكهم.

وتبين جليا أن حلقات التكوين ساهمت في إخراج العائلات من حالة الشعور بالعزلة وبغياب من يسندها، الشيء الذي خفف من مستوى شعورها بالقلق، بخلاف الوقت السابق، إذ ظلت العائلات خارج دائرة الضوء.

وتبين من خلال حلقات التكوين أن العائلات لم تكن تتفهم طبيعة مرض المصاب بالشيزوفرينيا، ما كان يؤثر على نوعية معاملته وطريقة التواصل معه، الشيء الذي ينتج عنه ردود فعل غير حميدة من قبل المريض.

الشيزوفرينيا.. تعريفها وأعراضها

هو مرض ينتج عنه تطاير أفكار المصاب وتشتتها، ما يجعله يعيش في عالَم خاص به، وبالتالي ينقطع تواصله مع محيطه.

بسبب المرض يضطرب سلوك المريض، ويعيش بعيدا عن الواقع والحقيقة، وبالتالي ينقطع تواصله مع محيطه، ما لا يتيح له فرصة التعليم أو اكتساب مهارات اجتماعية.

مع ظهور الداء يصبح المريض كثير الظنون والشكوك، ويعتقد أنه سوف يساء إليه، أو أن هنالك مؤامرة تحاك ضده، وهو ما لا تفهمه العائلات في أغلب الأحيان.

يصاحب هذه الأعراض شعور المريض بهلاوس وحمله أفكارا غريبة بعيدة عن الواقع وحقيقة الأمور، وافتقاره لإمكانية العيش وفق نظام معين.

وتبعا لذلك، يوصي الاختصاصيون في الطب النفسي، بمجموعة من النصائح، منها الابتعاد عن الحديث مع مرضى الشيزوفرينيا بالإيحاءات أو الإيماءات أو بالرسالة المشفرة، إذ ينصح الأطباء العائلة وأقرباء وأصدقاء المرضى الحرص على أن تكون المعلومة الموجهة إلى المريض واضحة ودقيقة.

ينصح أيضا، أن يكون الخطاب المتبادل بين شخص سليم وآخر مريض يحمل فكرة واحدة، لا مجموعة من الأفكار، لأن المريض يكون غير مؤهل لفهم الرسائل غير الواضحة، تبعا لتركيبة دماغه التي لا تتوفر على مؤهلات تسمح بفرز أو تشفير الرسالة.

يجب على العائلات تفادي مطالبة المريض بأداء أشياء لا يستطيع تنفيذها، كما يجب تقبل المرض، وتفهم طبيعته وحدود طاقة المصاب به.

عدد من مرضى الشيزوفرينيا يضعون حدا لحياتهم عن طريق الانتحار، كما أن عددا منهم يحكم عليهم بعقوبات سجنية بسبب سلوكاتهم المرضية، سيما إذا كان المصاب مدمنا على الكحول والمواد المخدرة، بالموازاة مع تعطل حياة شريحة واسعة منهم، ودخولهم عالم الإعاقة الوظيفية من بابها الواسع، والعديد منهم ينهون حياتهم بالانتحار.

هدفنا تحقيق التغطية الصحية لجميع المرضى النفسيين

كيف جاءت فكرة تأسيس الجمعية المغربية لمستعملي الطب النفسي؟

كان ذلك في يناير 2012، حين عبر عن فكرة تأسيس الجمعية، البروفيسور إدريس موساوي، المدير السابق للمركز الاستشفائي الجامعي للطب النفسي ابن رشد في الدارالبيضاء ونعيمة طراشن، رئيسة جمعية "أملي" لعوائل المرضى النفسيين. حينها تقبلنا الاقتراح بحماس، سيما أننا، نحن أعضاء مكتب جمعية مستعملي الطب النفسي، منخرطون في جمعية "أملي". ذلك اليوم، كان يوما تاريخيا، وهو ما عبر عنه البروفيسور موساوي، تبعا إلى أن الفكرة كانت تتداول في محيط مهنيي الطب النفسي، منذ 15 سنة، فرأت النور في يوليوز 2012.

ما هي دوافعكم لتأسيس هذه الجمعية؟

حماستنا لتأسيس الجمعية جاء من رحم المعاناة التي يعايشها مستعملو الطب. ودافعنا الرئيسي أن نخرج إلى العلن وندافع عن حقوقنا كمستعملي الطب النفسي، من خلال تكسر حاجز الصمت، واتخاذ زمام التعبير عن ذواتنا واحتياجاتنا للمسؤولين حتى ينصتوا إلينا.

نحن مقتنعون أنه كما لنا احتياجات خاصة، فإننا نتوفر على قدرات خاصة يمكن أن يستفيد منها الوطن، لذلك وجب على جميع المعنيين تحمل مسؤوليتهم تجاه مستعملي الطب النفسي.

نحن على وعي بأنه ليس من العيب أن يكون الإنسان مصابا بمرض نفسي. لا ذنب لنا في ما نحن عليه من صحة نفسية، لكن العيب كل العيب أن نقصى ونهمش ونوصم بأقدح الصفات.

ما هي انتظاراتكم من الأنشطة التي تقومون بها؟

نهدف إلى تحسيس الرأي العام بقضيتنا، وتعميم الوعي بالصحة النفسية عبر تنظيم ندوات ومحاضرات ومسيرات، والتواصل مع عموم الناس عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة، حتى تزول الضبابية حول المرض النفسي. نسعى أيضا للتأثير الإيجابي على صناع القرار لاتخاذ التدابير الضرورية لتحسين جودة حياتنا والاعتناء بصحتنا. كما ننظم ورشات فنية وأخرى في الإعلاميات لإخراج مستعمل الطب النفسي من عزلته، وليستعيد كرامته وتقدير ذاته.

حاليا، يستفيد من هذه الورشات عدد محدود جدا من مستعملي الطب النفسي، نظرا لصغر المقر الذي نعمل فيه بشراكة مع جمعية "أملي" في انتظار الحصول على مقر أكبر يمكننا من توسيع أعمال الورشات، كما وكيفا.

ما هي احتياجات مستعمل الطب النفسي التي تناضلون من أجلها في الجمعية؟

من أهم احتياجاتنا، أن تشمل التغطية الصحية جميع المرضى النفسيين على الصعيد الوطني، وهذا ضروري، علما أنه ليس كافيا، لأن مستعمل الطب النفسي يحتاج إلى مقاربة ثلاثية الأبعاد: بيولوجية، ونفسية واجتماعية.

لذلك نطالب بحماية حق المرضى في العمل، وعدم تسريحهم بسبب المرض، فالطرد من العمل مع تخلي الأسرة، يعني أن مصير المرضى سيكون الشارع والتشرد.

من هنا نطالب بإنشاء مراكز اجتماعية لاستقبال هؤلاء المرضى في النهار
وتعميمها على الصعيد الوطني، تماشيا مع سياسة القرب، تكون متوفرة على مختلف الأنشطة الفنية والرياضية، يشرف عليها متخصصون في الصحة النفسية.

كيف ترى وضعية المريض النفسي في المغرب؟

الوضعية كارثية، فبالإضافة إلى طبيعة المرض، يعاني المريض الفقر والهشاشة وضعف البنية التحتية لمؤسسات الصحة النفسية في المغرب، ما يزيد معاناة المريض النفسي.

يكفي أن أعطي معطى إحصائي، يفيد أن 50 في المائة من المشردين، هم أصلا مرضى مصابون بالفصام، كما أنه من بين الأسباب التي رمت بهؤلاء إلى الشوارع وإلى التشرد في الحواضر والبوادي، عدم قدرة الأسر على تحملهم أو بسبب تسريحهم من أعمالهم.

يجب ألا نهمل مسألة أساسية، هي أن المآسي التي يعيشها المريض وأسرته، تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة.

من معاناة الاكتئاب إلى مساعدة الآخرين على العلاج

أمال موطران، من بين أبرز المؤسسين لجمعية مستعملي الطب النفسي في المغرب، التي تهتم بشؤون المصابين بمشاكل الصحة النفسية في المغرب، وتتولى منصب الكاتبة العامة وتعمل بنشاط كبير، مع المواظبة على الحضور.

اكتشفت أمال إصابتها بالداء، في 23 سنة من عمرها، كانت حينها طالبة في فرنسا، حيث التحقت بأخيها وأختها الكبرى، بعد حيازتها لباكلوريا بميزة حسن.

سنوات قليلة بعد انتقالها للعيش في فرنسا، غادرت أختها هذا البلد للزواج والعمل في المغرب، فيما غادر أخوها ليكمل دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية.

بفعل بقائها وحيدة، وما صاحب ذلك من مشاكل عائلية، تعرضت أمال لأول أزمة نفسية، لم تفهمها حينها. كانت تسترجع جميع محطات تاريخ حياتها، بشكل لا إرادي، مصحوب بشعورها بقبضة وثقل يجثم فوق صدرها، إلى جانب مواجهتها لصعوبات في التنفس.

حينها اتصلت أمال بصديقتها التي تقيم في إيطاليا، والتي سارعت بالمجيء إليها، وحين الاستماع إليها واطلاعها على حالتها الصحية، حجزت لها تذكرة سفر للعودة إلى المغرب.

تمثلت أزماتها الاكتئابية، في شعورها المتكرر بإثم قوي اتجاه الآخرين وتجاه نفسها عن أي شيء تنفذه، مع شعورها الدائم بقلق شديد.

حاليا، تشعر أمال بفرحة كبيرة لتأسيس هذه الجمعية التي تحفزها وتشعرها بأنها مفيدة للمرضى مثلها ولباقي أفراد المجتمع، وجودها في الجمعية يساعدها على تطوير ذاتها، سيما مع تقاسم أعضاء الجمعية للفكر التضامني.

تتمتع أمال بسعادة لخروج مستعملي الطب النفسي إلى العلن، وتأسيس جمعية تدافع عن حقوقهم، والمناداة باحترام حقوق المرضى في الاستمرار في عملهم، سيما الذين يوجدون في حالة مستقرة، وتمكينهم من أعمال تتناسب وحالتهم الصحية وإعلان مطالبهم لتحسين التكفل الطبي بهم واستشفائهم.

تعمل أمال على تطبيق بلوغ الجمعية أهدافها الرامية إلى تحسيس المجتمع بضرورة احترام شخص المريض نفسيا، من خلال ضمان إدماجه في المجتمع وعدم استبعاده اجتماعيا أو تحسيسه بالتمييز أو النظرة الدونية، لضمان عدم الإضرار النفسي الاعتباري الذي يزيد من حجم المرض ويؤخر نجاعة العلاجات.

وبحيوية تنشط أمال في مجال لفت انتباه المسؤولين إلى حاجة مستعمل الطب النفسي إلى تطوير علاجاته الطبية، وفقا لتطور الطب، والرفع من جودة استشفائه وتمكينه من الأدوية بشكل مجاني، على اعتبار أن شريحة عريضة من هؤلاء المرضى لا يشتغلون، وبالتالي، لا يتوفرون على أي مورد للرزق، مبينة أهمية إحاطة المرضى وعائلاتهم بالدعم المعنوي، ومنحهم الثقة في النفس، لضمان تكفل أفضل بصحتهم.

متطوعة تهتم بتنمية قدرات المصابين بالفصام في المعلوميات

زينة الناصري، شابة في العشرين من عمرها، إحدى المتطوعات في جمعية مستعملي الطب النفسي، تسخر كثيرا من وقتها وجهدها لتعليم أعضاء الجمعية أصول التعامل مع الحاسوب واكتساب معارف في مجال المعلوميات.

تشعر زينة بفرح وبفخر لتطوعها بالعمل في الجمعية، سيما أنها الإطار الجمعوي الأول من نوعه في المغرب وفي المنطقة، يضم مؤسسين وأعضاء مصابين بمرض الفصام.

زينة أكثر شعورا بحاجيات أعضاء الجمعية، سيما أنها تعايش أخا يعاني الفصام منذ 14 سنة.

تجد زينة أنه رغم حداثة سن الجمعية، إلا أن ثمارها ناضجة، منها الاهتمام والتركيز على تنمية قدرات الشخص المصاب بالفصام، ومساعدته على الرفع من قدراته ومعارفه، ومن هنا جاءت فكرة إدماج حصص المعلوميات ضمن جدول عمل وأنشطة الجمعية.

تنعت زينة مرضى الفصام بالمقاومين للمرض، وبالمناضلين لعيش أفضل تفاديا للتحول إلى شخص مشرد أو مجرم أو شخص منتحر.

تتحدث زينة عن العمل التطوعي إلى جانب مستعملي الطب النفسي، باعتزاز كبير، وتعتبر من يشتغل إلى جانبها نموذجا عظيما، وتنتظر لفت انتباه المسؤولين إلى مجموع المرضى، سواء منهم الذين يتمتعون بحالة صحية مستقرة أو الذين يعانون مضاعفات المرض الصعبة.

اكتشفت زينة علو درجة استيعاب المتعلمين للدروس، وتوفرهم على رغبة وحماسة كبيرتين في تعلم المعلوميات، إلى جانب تسلحهم بمشاعر التحدي وبإرادة كبيرة ساهما في تقدمهما في مراحل التعلم بشكل ملحوظ.

لم يستسلم مستعملو الطب النفسي لسنوات المرض، التي أخرتهم عن اكتساب مجموعة من المعارف ومنها المعلوميات، فعزموا على تدارك ما مضى، لاقتناعهم بأنها معرفة ضرورية لمواكبة متطلبات العصر وتمهيدا للحصول على وظيفة محترمة.

حاليا، يتعلم المرضى قواعد الاشتغال بالحاسوب وكيفية معالجة النصوص، إلى جانب تعلم قواعد الإبحار عبر الانترنت والتواصل الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفايسبوك، للتعريف بالجمعية وبمرض الفصام وللتحسيس بخطورته التي تهدد حياة أسر بكاملها.

وتتمنى زينة أن يعلم الناس أن مريض الفصام هو عنصر فعال ونافع في المجتمع، شريطة تمكينه من العلاج وتمتيعه بالدعم الضروري، مذكرة
أن إصابة شخص بمرض نفسي، يؤثر على جميع أعضاء الأسرة، لذلك "نأمل في أن تحاط هذه الفئة بالعناية اللازمة لحالتها، من حيث توفير الأدوية ومحاربة الخصاص من الأطباء، وتوفير البنيات التحتية الاستشفائية والقضاء على المواعيد الطبية المتباعدة".




تابعونا على فيسبوك