صاحب الجلالة يدعو كافة الناخبين لتحكيم ضمائرهم واستحضار مصلحة الوطن والأمة والمواطنين خلال عملية التصويت في الانتخابات المقبلة

في خطاب سام وجهه اليوم إلى الأمة خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة الذكرى السابعة عشر لتربع جلالته على عرش إسلافه المنعمين

السبت 30 يوليوز 2016 - 22:25
3708

دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، كافة الناخبين إلى ضرورة تحكيم ضمائرهم واستحضار مصلحة الوطن والأمة والمواطنين خلال عملية التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وقال جلالة الملك في خطاب سام وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى السابعة عشر لتربع جلالته على عرش إسلافه المنعمين "أوجه النداء لكل الناخبين ، بضرورة تحكيم ضمائرهم ، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين ، خلال عملية التصويت ، بعيدا عن أي اعتبارات ، كيفما كان نوعها".

كما دعا جلالة الملك الأحزاب، لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية، والحرص على خدمة المواطن.

وأكد صاحب الجلالة أن التنمية تقوم على التكامل والتوازن، بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وأضاف جلالة الملك أن "التقدم الذي نطمح إليه ببلادنا ، لا يقتصر فقط على مجرد مؤشرات، غالبا ما تتجاهل مسار كل بلد وخصوصيا ته، وإنما نريده أن يشكل تحولا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا، تشمل ثماره جميع المواطنين".
كما أ ن رفع التحديات التنموية المتعددة والمتداخلة، يضيف جلالة الملك، يتطلب من جميع المغاربة، فرديا وجماعيا، الانخراط في المعركة الاقتصادية الحاسمة، التي يعيشها العالم.
وفي هذا السياق، شدد جلالة الملك على انه "إذا كان من حقنا أن نعتز بما حققناه، من مكاسب تنموية، فإن على جميع الفاعلين، في القطاعين العام والخاص، مضاعفة الجهود، من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة جديدة من التقدم، بين الدول الصاعدة، والتي سبق لنا أن حددنا مقوماتها" .

وفي ما يلي النص الكامل للخطاب الملكي السامي :

"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا

رسول الله وآله وصحبه،

شعبي العزيز،

تتوالى السنوات، بعون الله وتوفيقه، منذ أن تحملنا أمانة قيادتك. وهي أمانة جليلة بشرف خدمتك، وجسيمة بما تنطو ي عليه من مسؤوليات أمام الله، وأمام التاريخ، وعظيمة بما تحمله من التزامات تجاه جميع المغاربة .

ونحتفل اليوم بالذكرى السابعة عشرة، لعيد العرش المجيد، ونحن أكثر اعتزازا بما يجمعنا من روابط البيعة الوثقى، والتلاحم المتين، وأقوى عزما على مواصلة العمل من أجل تحقيق تطلعاتك المشروعة .

فما أريده لكل المغاربة أينما كانوا في القرى والمدن، وفي المناطق المعزولة والبعيدة، هو تمكينهم من العيش الكريم في الحاضر، وراحة البال والاطمئنان على المستقبل، والأمن والاستقرار على الدوام، في تلازم بين التمتع بالحقوق، وأداء الواجبات .

 شعبي العزيز،

لقد تمكنا خلال السبعة عشرة سنة الماضية من إنجاز إصلاحات سياسية عميقة وأوراش اقتصادية كبرى ومشاريع للتنمية البشرية غيرت وجه المغرب.

غير أن هنا ك الكثير مما يجب القيام به خاصة ونحن على أبواب مرحلة جديدة ستنطلق مع الانتخابات التشريعية المقبلة.

وبصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب. فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون .

كما أنني ملك لكل الهيآت السياسية دون تمييز أو استثناء. وكما قلت في خطاب سابق، فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب .

ومن تم، فشخص الملك، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين مرشحين وأحزابا تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية .

إننا أمام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها: من مر حلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين.

فالمواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين. وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم. وله أيضا سلطة محا سبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم.

لذا أوجه النداء لكل الناخبين، بضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها.

كما أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن.

فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة، للقضايا والمشاكل الحقيقية للمواطنين.

ومن جانبها فإن الإدارة التي تشرف على الانتخابات تحت سلطة رئيس الحكومة، ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، مدعوة للقيام بواجبها، في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي.

وفي حالة وقوع بعض التجاوزات، كما هو الحال في أي انتخابات، فإن معالجتها يجب أن تتم طبقا للقانون، من طرف المؤسسات القضائية المختصة .

غير أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة ا لوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين.

ولا يفوتني هنا أيضا، أن أنبه لبعض التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها.

فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعا ت، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب.

وهنا أقول للجميع، أغلبية ومعارضة: كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة.

 شعبي العزيز،

إن تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحر ص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.

وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش.

ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها.

والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.

كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.

والفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع.

والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.

وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.

ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أ كثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون.

فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.

والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة.

شعبي العزيز،

إننا نؤمن بأن التقدم السياسي، مهما بلغ من تطور، فإنه سيظل ناقص الجدوى، ما لم تتم مواكبته بالنهوض بالتنمية.

وتقوم التنمية في منظورنا، على التكامل والتوازن، بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

كما أن رفع التحديات التنموية المتعددة والمتداخلة، يتطلب من جميع المغاربة، فرديا وجماعيا، الانخراط في المعركة الاقتصادية الحاسمة، التي يعيشها العالم.

فالتقدم الذي نطمح إليه ببلادنا، لا يقتصر فقط على مجرد مؤشرات، غالبا ما تتجاهل مسار كل بلد وخصوصياته؛ وإنما نريده أن يشكل تحولا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا، تشمل ثماره جميع المواطنين.

وإذا كان من حقنا أن نعتز بما حققناه من مكاسب تنموية، فإن على جميع الفاعلين، في القطاعين العام والخاص، مضاعفة الجهود، من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة جديدة من التقدم، بين الدول الصاعدة، والتي سبق لنا أن حددنا مقوماتها.

وهو ما يقتضي العمل الجاد للرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، والتقييم الموضوعي للسياسات العمومية، والتحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية والاجتماعية.

ورغم الإكراهات المرتبطة أحيانا بالسياق الدولي، وأحيانا أخرى بالاقتصاد الوطني، فإن المغرب، والحمد لله، في تقدم مستمر، دون نفط ولا غاز، وإنما بسواعد وعمل أبنائه.

وخير دليل على ذلك، تزايد عدد الشركات الدولية، كـ“بوجو” مثلا، والشركات الصينية التي ستقوم بإنجاز المشروع الاستراتيجي للمنطقة الصناعية بطنجة، على مساحة تتراوح بين 1000 و2000 هكتار، وكذا الشركات الروسية وغيرها، التي قررت الاستثمار في المغرب، وتصرف الملايين على مشاريعها.

هذه الشركات لا يمكن أن تخاطر بأموالها دون أن تتأكد أنها تضعها في المكان الصحيح . بل إنها تعرف وتقدر الأمن والاستقرار، الذي ينعم به المغرب، والآفاق المفتوحة أمام استثماراتها .

كما أن العديد من الشركات العالمية، عبرت عن اهتمامها بالاستثمار في مشروع ”نو ر – ورزازات “، الذي يعد أ كبر محطة للطاقة الشمسية في العالم .

كما يتزايد عد د الأجانب، الذين يختارون المغرب للإقامة والاستقرار، وخاصة من فرنسا وإسبانيا. ومنهم من يقوم بإحداث شركات خاصة .

فهؤلاء الأجانب يعيشون في أمن واطمئنان، في ظل حماية أمير المؤمنين، وتحت مسؤولية الدولة المغربية، إضافة إلى أن المغاربة يعاملونهم بكل ترحيب وتقدير.

وبنفس الإرادة والعزم، نعمل على ضمان أمن المغاربة وسلامتهم، وعلى صيانة استقرار البلاد، والحفاظ على النظام العام.

شعبي العزيز،

إن صيانة ا لأمن مسؤولية كبيرة، لا حد لها، لا في الزمان، ولا في المكان. وهي أمانة عظمى في أعناقنا جميعا .

وأود هنا، أن أعبر لمختلف المصالح الأمنية، عن تقديرنا للجهود الدؤوبة، والتضحيات الجسيمة، التي يقدمونها في القيام بواجبهم الوطني .

كما أشيد بالفعالية، التي تميز عملها، في استباق وإفشال المحاولات الإرهابية، التي تحاول يائسة ترويع المواطنين، والمس بالأمن والنظام العام .

وإننا نقدر الظروف الصعبة، التي يعمل فيها نساء ورجال الأمن، بسبب قلة الإمكانات. فهم يعملون ليلا ونهارا، ويعيشون ضغوطا كبيرة، و يعرضون أنفسهم للخطر، أثناء القيام بمهامهم .

لذا، ندعو الحكومة لتمكين الإدارة الأمنية، من الموارد ا لبشرية والمادية اللازمة لأداء مهامها، على الوجه المطلوب .

كما يتعين مواصلة تخليق الإدارة الأمني، وتطهيرها من كل ما من شأنه أن يسيء لسمعتها، وللجهود ا لكبيرة، التي يبذلها أفرادها، في خدمة المواطنين .

إن مصداقية العمليات الأمنية، تقتضي الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين، ومع دعاة التطرف والإرهاب، وذلك في إطار الالتزام بالقانون، واحترام الحقوق والحريات، تحت مراقبة القضاء .

وأمام تزايد التحديات الأمنية، والمؤامرات التي تحاك ضد بلادنا، أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة .

كما أؤكد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، بكل مكوناتها، ومع المواطنين. فالكل مسؤول عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن .

فأمن المغرب واجب وطني، لا يقبل الاستثناء، ولا ينبغي أن يكون موضع صراعات فارغة، أو تهاون أو تساهل في أداء الواجب. وإنما يقتضي التنافس الإيجابي، في صيانة وحدة الوطن، وأمنه واستقراره .

فليس من العيب أن تكون الدولة قوية برجالها وأمنها ، وأن يكو ن المغاربة جنودا مجندين للدفاع عن قضايا وطنهم .

أما على المستوى الخارجي، فإن التنسيق والتعاون، الذي تعتمده المصالح الأمنية ببلادنا، مع نظيراتها في عدد من الدول الشقيقة والصديقة، قد ساهم في إفشال العديد من العمليات الإرهابية، وتجنيب هذه الدول مآسي إنسانية كبير ة .

شعبي العزيز،

إن انشغالنا بقضايا المواطنين داخل المغرب، لا يعادله إلا العناية التي نوليها، لشؤون أفراد الجالية المقيمة بالخارج.

فنحن نقدر مساهمتهم في تنمية بلدهم، وفي الدفاع عن مصالحه العليا .

كما نعتز بارتباطهم بوطنهم، وبتزايد عدد الذين يحرصون، كل سنة، على صلة الرحم بأهلهم، رغم ما يتحملونه من تعب ومشاق السفر، وما يواجهونه من صعوبات .

وإذا كنا نعيد ونؤ كد، كل مرة، وفي كل مناسبة، شكرنا لهم، وعلى ضرورة الاهتمام بقضاياهم، سواء داخل ا لوطن، أو في بلدان الإقامة ، فنحن لا نبالغ في ذلك، لأنهم في الواقع، يستحقون ذلك وأ كثر .

وقد سبق أ ن شددنا على ضرورة تحسين الخدمات، المقدمة لهم. ووقفنا على بعض النماذج، التي تم اعتمادها لهذا الغرض .

ورغم الإصلاحات والتدابير، التي تم اتخاذها، إلا أنها تبقى غير كافية. وهو ما يقتضي جدية أكبر، والتزاما أقوى من طرف ا لقنا صلة والموظفين، في خدمة شؤون الجالية .

شعبي العزيز،

إن السياسة الخارجية لبلادنا ، تعتمد دبلوماسية ا لقول والفعل، سواء تعلق الأمر بالدفاع عن مغربية الصحراء، أ وفي ما يخص تنويع الشراكات، أو الانخراط في القضايا والإشكالات الدولية ا لراهنة .

فإذا كان البعض قد حاول أ ن يجعل من 2016 "سنة الحسم"، فإن المغرب قد نجح في جعلها "سنة الحز م "، في صيانة وحدتنا الترابية. فمن منطلق إيماننا بعدالة قضيتنا، تصدينا بكل حزم، للتصريحات المغلوطة، والتصرفات اللامسؤولة، التي شابت تدبير ملف الصحراء المغربية، واتخذنا الإجراءات الضرورية، التي تقتضيها الظرفية، لوضع حد لهذه الانزلاقات الخطيرة .

وسنواصل الدفاع عن حقوقنا، وسنتخذ التدابير اللازمة لمواجهة أي انزلاقات لاحقة. ولن نرضخ لأي ضغط، أو محاولة ابتزاز، في قضية مقدسة لدى جميع المغاربة .

غير أن المغرب سيبقى منفتحا، ودائم الاستعداد للحوار البناء، من أجل إيجاد حل سياسي نهائي، لهذا النزاع المفتعل .

وأود هنا، أن أجدد الدعوة للجميع، لمواصلة اليقظة والتعبئة، للتصدي لمناورات خصوم المغرب، الذين صاروا مسعورين، و فقدوا صوابهم ، أمام مظاهر التنمية والتقدم، التي تعيشها الصحراء المغربية .

فكل المؤامرات المغلفة والمفضوحة، لن تنال من عزمنا، على مواصلة تفعيل النموذج التنموي، بأقاليمنا الجنوبية .

فالمشاريع التنموية التي أطلقناها بالمنطقة، وما تتيحه الجهوية المتقدمة، من إشراك فعلي للسكان في تدبير شؤونهم، سيجعل من جهة الصحراء قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها  لتاريخي كصلة وصل، ومحور للمبادلات بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكذا مع دول الشمال .

 شعبي العزيز،

إن دبلوماسية القول والفعل، التي ينهجها المغرب ، لم تكن لتعطي وحدها النتائج المنشودة، لولا المصداقية، التي يحظى بها، في علاقاته ا لدولية .

وهو ما أهله للتوجه نحو تنويع شركائه. إن الأمر لا يتعلق بتحرك ظرفي، أو برد فعل طارئ، من أجل حسابات أو مصالح عابرة. وإنما هو خيار استراتيجي، يستجيب لتطور المغرب، ويأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها العالم .

كما يعكس مكانة بلادنا كشريك محترم ومطلوب، بفضل نموذجه السياسي والتنموي، ولدوره كفاعل رئيسي في ترسيخ ا لأمن والاستقرار بالمنطقة، وفي الدفاع عن القضايا التي تهم إفريقيا .

وكما قلت سابقا، فا لمغرب ليس محمية تابعة لأي بلد. غير أن انفتاحه لا يعني تغيير توجهاته، ولن يكون أبدا على حساب شركائه. فالمغرب يبقى وفيا بتعهداته، وملتزما مع حلفائه التاريخيين .

وفي هذا الإطار، تند رج القمة التي جمعتنا بأشقائنا قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في أبر يل الماضي، والتي رسخت الشراكة المغربية الخليجية، كتكتل استراتيجي موحد، ووضعت الأسس الصلبة لنموذج فريد من التحالف العربي .

كما أن المغرب لا يدخر أي جهد، في سبيل تدعيم الشراكة الاستراتيجية التضامنية جنوب – جنوب، وخاصة مع أشقائنا الأفارقة، سواء على الصعيد الثنائي، أو في إطار المجموعات الإقليمية، لدول غرب إفريقيا .

وتعزيزا لهذه السياسة الإفريقية الصادقة، أعلنا خلال القمة الإفريقية السابعة والعشرين، عن قرار المغرب بالعودة إلى أسرته المؤسسية الإفريقية .

وبطبيعة الحال، فإن هذا القرار لا يعني أبدا، تخلي المغرب عن حقوقه المشروعة، أو الاعتراف بكيان وهمي، يفتقد لأبسط مقومات السيادة، تم إقحامه في منظمة الوحدة الإفريقية، في خرق سافر لميثاقها .

ويعكس رجوع بلادنا إلى مكانها الطبيعي، حرصنا على مواصلة الدفاع عن مصالحنا، من داخل الاتحاد الإفريقي، وعلى تقوية مجالات التعاون مع شركائنا، سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي .

كما سيتيح للمغرب الانفتاح على فضاءات جديدة، خاصة في إفريقيا ا لشرقية والاستوائية، وتعزيز مكانته كعنصر أمن واستقرا ر، وفاعل في النهوض بالتنمية البشرية، والتضامن الإفريقي .

وأغتنم هذه ا لمناسبة، لأتقدم بعبارات الشكر الجزيل، لكل الدول الشقيقة، على وقوفها إلى جانب المغرب، في الدفاع عن وحدته ا لترابية، وتجاوبها الإيجابي، مع قرار العودة إلى أسرته المؤسسية، خاصة قادة الدوال الثما نية والعشر ين، الذين وقعوا على الملتمس، وباقي الدول الصديقة التي ساهمت في هذه ا لمبادرة .

كما نعبر عن تقد يرنا وامتناننا، لجمهورية رواندا، التي استضافت هذه القمة، ورئيسها فخامة ا لسيد  Paul Kagamé، لد عمهم لنا، وتعاونهم معنا .

وإلى جانب الانفتاح على فضاءات سياسية واقتصادية كبرى، كروسيا والصين والهند، نسعى لتوطيد شراكاتنا الاستراتيجية، مع حلفائنا في فرنسا وإسبانيا. كما نعمل مع الاتحاد الأوروبي، على وضع أ سس متينة، لتطوير الشراكة التقليدية التي تجمعنا .

وإن توجهنا نحو تنويع الشراكات، يقوم على الاحترام المتبادل، والالتزام بالعمل، على تقوية التعاون، على أساس

رابح – رابح . وهو ما تجسده الاتفاقيات الاستراتيجية، التي تم توقيعها، والتي تشمل مجالات حيوية، كالطاقة والبنيات التحتية وتطوير المبادلات الفلاحية، ومحاربة الإرهاب ، والتعاون ا لعسكري، وغير ها .

 شعبي العزيز،

إن حرص المغرب على تنو يع شركائه، لا يوازيه إلا انخراطه القوي، في مختلف القضايا والإشكالات الدولية

الراهنة.

فالمغرب يعد شريكا فعالا في محا ربة الإرهاب، سوا ء في ما يتعلق بالتعاون الأمني، مع عد د من الدول الشقيقة والصديقة، أو من خلا ل نموذجه ا لمتميز في تدبير الشأن الديني .

وهو ما أهله ليتقاسم مع هولندا، الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب .

كما أن بلادنا تنخر ط بقوة، في الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية، حيث ستحتضن في نونبر المقبل، المؤتمر الثاني والعشرين، للدول الأطراف في اتفاقية الأمم ا لمتحدة، حول التغيرات المناخية .

وهي مناسبة لإبراز التزام المغرب، بالعمل على تنفيذ اتفاق باريس، ومواصلة دعم الدول النامية، بإفريقيا والدول الجزرية الصغيرة، التي تعتبر المتضرر الأكبر من تداعيات التغير المناخي .

وبصفته بلدا فاعلا في مجال التعاون الثلاثي، فإن المغرب يجعل في صدارة سياسته، توجيه العمل الدولي للاهتمام بقضايا التنمية، وخاصة في إفر يقيا .

شعبي ا لعزيز،

إن عملنا لا يهتم كثيرا بالحصيلة والمنجزات، وإنما بمدى أثرها في تحسين ظروف عيش المواطنين .

ذلك أننا نضع البعد الإنساني في طليعة الأسبقيات. فما يهمنا هو المواطن المغربي، والإنسان بصفة عامة، أ ينما كان .

وإننا نحمد الله تعالى، أن وفقنا لجعل المغرب على ما هو عليه اليوم : فضاء لأوراش البناء والتنمية، وواحة أمن واستقرار؛ رغم إكراهات سياق دولي، مطبوع بتوالي الأزمات، وتزايد التوترات .

ونود بهذه المناسبة المجيدة، أن نعرب عن تقديرنا وشكرنا، لكل القوى الحية، ولكل المغاربة الأحرار، الغيورين على وطنهم، على انخراطهم القوي، إلى جانبنا، في بناء مغرب ا لوحدة والحرية والتقدم، ووقوفهم الحازم في مواجهة المؤامرات الدنيئة، ا لتي تحاك ضد بلادنا .

كما نوجه تحية تقدير، للقوات المسلحة الملكية، والد ر ك الملكي، والقوات المساعدة، والأمن الوطني، والوقاية المدنية، والإدارة الترابية، على تفانيهم وتجندهم ا لدائم ، للدفاع عن وحد ة ا لوطن وسيادته، والسهر على أمنه واستقراره .

والله تعالى نسأل أن يوفقنا في أداء الأمانة، التي ورثناها عن أجدادنا، مستحضرين، بكل إكبار وخشوع، أرواحهم الطاهرة،  في مقدمتهم جدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس، ووالدنا المنعم ، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما ، وكافة شهداء الوطن الأبرار.

وسنواصل مسارنا الجماعي، بكل حزم وعزم ، من أجل عزة المغرب، وخدمة أبنائه .

وستجد ني، شعبي العزيز ، كما عهدتني دوما ، خديمك الأول، حاملا لانشغالاتك وقضاياك، متجاوبا مع تطلعا تك، في كل الظروف والأحوال.

" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصير ة أنا ومن اتبعني". صد ق الله العظيم .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".




تابعونا على فيسبوك