مفكرون ومتصوفة يتوحدون بالعاصمة العلمية في بناء الإنسان بالطريقة الصحيحة والسليمة

الصحراء المغربية
الأربعاء 16 ماي 2018 - 12:45

اختتم المؤتمر العالمي الرابع للتصوف، أخيرا، بمدينة فاس فعالياته الفكرية، التي توزعت بين الندوات والمحاضرات، التي ألقاها ثلة من الأساتذة المختصين وشيوخ الطرق الصوفية ذائعة الصيت عبر العالم، مثل الشيح أحمد الدباغ شيخ الطريقة المحمدية الدباغية من إنجلترا، الذي نشط محاضرة بعنوان "التنمية في ضوء الإسلام"، والشيخ محمد أبو محمد أبو مهدي اليعقوبي، شيخ الطريقة الشاذلية من سوريا، الذي تحدث عن "دور التصوف في معالجة أسباب التطرف"، فضلا عن العديد من المهمتين بالشأن الصوفي، قدموا مداخلات متباينة في المجال الصوفي من بينهم زايد إبراهيم حماد، رئيس جمعية الكتاب والسنة في الأردن، وحسام ابن أحمد البستاني، رئيس المجلس اللاتيني الإسلامي للإفتاء بالبرازيل، إلى جانب عزيز عبدين مدير الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية بلوس أنجلوس، وياسين علي محمد أستاذ مادة الفلسفة الإسلامية بجامعة وستين كيب بجنوب إفريقيا، الذين استقت منهم "الصحراء المغربية" تصريحات تتعلق بالمجال الصوفي في بلدانهم.

 

أكد زايد إبراهيم حماد، رئيس جمعية الكتاب والسنة في الأردن، لـ"الصحراء المغربية"، أنه حل بالمغرب من أجل المشاركة في المؤتمر الرابع العالمي للتصوف بمدينة فاس، وهي مناسبة جيدة للتعرف على التصوف من خلال الإخوان المغاربة، لأن المغرب بلد مشهود له بانتشار مدارس التصوف،  وأضاف أنه حضر فعاليات الملتقى الصوفي من أجل الاستمتاع بكلمات ومداخلات المشاركين كي يخرج بانطباع نهائي عن آلية وأعمال التصوف في دول  المغرب العربي، متمنيا أن يوقع اتفاقية تعاون بين جمعيته وبين  المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية بفاس كي يستفيد من تجربته وخبرته.

وبالنسبة للمداخلة التي شارك بها في المؤتمر، قال إنها تمحورت حول مفهوم التصوف ومفهوم التزكية والإحسان، وهي رسالة يحاول أن يوصلها كلما استطاع، نظرا لكونها تهدف لتزكية النفس وتطهيرها من كل الشوائب كي تصل لأعلى مراتب الإحساس، وبناء الإنسان بالطريقة الصحيحة والسليمة، مضيفا أن التزكية شيء ضروري للنفس لكن على الإنسان أن يقرنها بالعلم، سيما أنه لامس أن مسالة العلم عند الكثير من الصوفية مازالت بعيدة عنهم، حيث كانوا ينشغلون بأمور الذكر، وبأمور بعيدة عن واقع المسلم.

وأوضح رئيس جمعية الكتاب والسنة، التي تعنى بكل ما يتعلق بالكتاب والسنة، وبمشروع ضخم يتمثل في تكفلها بثلاثمائة ألف لاجئ سوري بالأردن، وبـ 15 ألف يتيم سوري، حيث تتوفر على مراكز لعلاج الجرحى، ومراكز للأيتام، ومراكز للطب النفسي، ومراكز للطب العام، وعلى كل أنواع الإغاثة الإنسانية التي يقدمونها للاجئين السوريين، موضحا أنهم يتكفلون بهؤلاء لانهم تعلموا من التصوف التزكية وتعلموا الإحسان وطبقوه على أرضهم مباشرة، سيما أن جمعيتهم في سنواتها الأولى كانت على رأس الجمعيات المحلية والدولية، لأنها  كانت تقوم بعمل إنساني، وكانت  تتعامل مع هؤلاء اللاجئين بمفهوم الذين الحق، والشريعة الحق، وعندما كانت تزورهم منظمات دولية، كانوا يستغربون لتعاملهم الجيد معهم، حيث كان حوالي 28 ألف لاجيء يعيشون في خيام، واستطاعت الجمعية أن تبني لهم (كرنفالات) كي يتمكنوا من العيش في ظروف أحسن.

 

من جانبه أفاد حسام بن احمد البستاني، رئيس المجلس اللاتيني الإسلامي للإفتاء بالبرازيلي، في تصريح لـ"الصحراء المغربية"، أنه فخور جدا بقدومه لأول مرة  إلى المغرب البلد الشقيق، وبمشاركته في فعاليات مؤتمر فاس العالمي الرابع للتصوف، المنظم تحت عنوان، "التصوف وبناء الإنسان"، وهو عنوان ذو دلالة قوية، في زمن يوجد فيه من يريد أن يهدم الإنسان، بينما المركز الأكاديمي الدولي للدراسة الصوفية والجمالية، في هذه المدينة العريقة مدينة الأولياء، ومدينة العلم والعلماء، يقول غير ذلك، أي أنه يريد أن يبني الإنسان من حيث الصفة، والأخلاق والرقي، والمعاني الأصيلة التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان.

وبالنسبة المجلس اللاتيني الإسلامي للإفتاء بالبرازيلي الذي يرأسه، أكد حسام أنه في الحقيقة مجلس قديم وجديد في الآن نفسه، يعنى بالجالية اللبنانية بشكل خاص، وبالجالية المسلمة بشكل عام، وبشؤونها الاجتماعية والدينية والثقافية والتربوية والتعليمية، كما انه يهدف إلى جمع ولم الجالية الإسلامية بالبرازيل، لاسيما في مدينة ساو باولو، ويصبو المجلس أن يكون مستقبلا مركزا أكاديميا بحثيا علميا للدراسات الميدانية، من أجل رفع مستوى الجالية أكثر فأكثر، وربطها بجذورها وأصولها، وبثقافتها، وبدينها من الناجية العلمية، وليس من الناحية الثقافية فقط، وهذه الأشياء لقت ترحيبا واسعا من طرف الجالية المسلمة لأنها تحتاج إلى الكوادر العلمية الأكاديمية المتخصصة، التي من الممكن أن تجد حلولا للمشاكل التي تعاني منها، مثل المشاكل الأسرية، والمشاكل الخاصة بالأحوال الشخصية، سيما أن الدولة البرازيلية لا تعترف بالمراسيم الشرعية الدينية إلا في بعض الاستثناءات، وان مجلسهم يقوم بتنظيم بعض الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، والعلاقات الأسرية الاجتماعية، واستطاع المجلس أن ينشأ كذلك مصلحة للمصالحة والمناصحة.

وبخصوص سؤال حول هل التصوف مازال يتمتع بالإشعاع نفسه الذي كان يحظى به سابقا، أجاب المتحدث أن شعلة التصوف في فترة معينة خبت قليلا لكنها لم تنطفئ، لكن الآن بعد الأحداث التي عشناها خلال السنوات الأخيرة، داخل البيت المسلم الواحد، وما ظهر من حركات تتبنى القتل والعنف، والإرهاب، كطريق ووسيلة لتحقيق ما تريده من أهداف، برز من جديد دور التصوف، هذه الثورة الناعمة عادت لتوقظ الأمة العربية المسلمة، لان التصوف لم ينهج أبدا طريق العنف للسيطرة على الحكم، أو سلب الحكم وأخذه من الحاكم، والآن في ظل هذه الأحداث الحرجة، التي تمر بها الأمة العربية، سيعود دور التصوف بقوة في العالم الإسلامي وفي مجتمع الأقليات، لان ما تعيشه الأقليات هو انعكاس لما يحدث في العالم الإسلامي، مبرزا أن الصوفية بدأت الآن تغزو مجتمعاتنا، وبدأنا نتحدث في مؤتمراتنا عن دور الصوفية في تصحيح مسار الأمة، وتصحيح مسار الحكم، وتنظيم المجتمع الإسلامي، وهذا أصبح موجودا في معظم الدول من ضمنها الدول الأجنبية وحتى في البرازيل التي ينتشر فيها التصوف الإفريقي ذو الجذور الإسلامية منذ زمن العبيد إلى الآن، ففي البرازيل توجد مؤسسة للطرق الشاذلية، ولها نشاط حضاري قوي، وهي مؤسسة تنافس المؤسسات العصرية الدعوية أو العلمية  وباعتبارها مؤسسة علمية، نتعاون مع أطرها ونتواصل معهم، وأنهم الان هم في طور تأسيس المجلس الصوفي العلمي في البرازيل وأمريكا اللاتينية لان البرازيليين يعشقون التصوف، ولذلك هم متأثرون جدا بالفكر الإفريقي لأنه يحمل التصوف.

 

بدوره قال عزيز عبدين، مدير الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية بلوس أنجلوس، لـ"الصحراء المغربية"، أنها المرة الرابعة التي يزور فيها المغرب للمشاركة في المؤتمر العالمي الرابع للتصوف، لأنه في حاجة ماسة لمثل هذه المؤتمرات الخاصة بالتصوف في دول المهجر سيما في أوروبا وأمريكا، حيث توجد العديد من الدول التي تخص كلمة تصوف بمعنى سيئ جدا، وبمعنى بشع، مرادفا للشرك، وأن التصوف يعني لهم فقط الرقص المختلط بين الرجال والنساء، وعبادة المشايخ، وهذا الوضع بالطبع غير صحيح وغير واقع، لان الناس يجهلون معنى كلمة التصوف، ففي الكثير من المساجد أو المراكز الإسلامية في دول المهجر لا تسمح أن يكون لها إمام إذا كان له رأي جيد حول التصوف،  أو أن يكون متصوفا، ولذلك فأصحاب مؤتمرات التصوف الحالية يريدون إزالة هذه الغمة، وينصحون الناس أن يحضروا مثل هذه المؤتمرات، والحمد لله المغرب كان السباق في الخروج والابتعاد عن هذا الجهل المدقع، مضيفا أن المتصوف يكون أرق قلبا وأشد حنانا في معاملته مع المسلم ومع غير المسلم، لأن العلماء الصوفية يعلمون تلامذتهم أن يكثروا من ذكر الله.

وأبرز عبدين انه يتمنى أن تكون بينهم وبين المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية، شراكة فهو حاليا مدير للجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، وليس عندهم دراسات عليا في التصوف، لكن لعلهم بعد ربط شراكة بينهم وبين المركز الأكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية، سيخصصون برنامجا خاصا للبحوث الصوفية.

وذكر عبدين أن التصوف في فترة معنية خبت شعلته لكن لم تنطفئ، لان التصوف هو دائما ضد العنف والتطرف، وانه كان مزدهرا في السابق، لكن أعداء الإسلام لما رأوا أن التصوف ناجح وناجع، ادخلوا عليه شبهات وبدأوا يقولون إن التصوف هو شرك، لكن لما كثر العنف والإرهاب أصبح اليوم توجه جديد نحو التصوف، وعرف الناس انه لا سبيل للدعوة الناجحة السريعة إلا من خلال التصوف.

 

أكد موسى بن قسور العامري باحث في العلوم الإسلامية من سلطنة عمان، الذي ألقى قصيدة عن جمال المغرب، بمناسبة افتتاح مؤتمر التصوف العالمي بفاس، أن مداخلته تركزت على التواصل الحضاري بين المذاهب، لأنهم في عمان لا يستخدمون كلمة تصوف بل يستعملون كلمة سلوك، ويعني أن الكثير من العلماء يمارسون السلوك في حياتهم، وينقلونه إلى طلابهم، مضيفا، أن  ورقته تركزت حول نماذج من المذهب الإباضي وتواصله مع المذاهب الأخرى، كمثال الشيخ قاعد بن خميس الخروسي، الذي قرأ ودرس كتب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وألف على شاكلته كتاب قناطر الخيرات، الذي يحمل الكثير من الزهد ومن الإيمانيات والروحانيات، وأحب الكتاب العديد من القراء ممن يعشقون السلوك، والتصوف والزهد فكان هناك تناغم بين علماء الإباضية والمذاهل الأخرى.

من جهتها، أكدت كريمة نور عيساوي، رئيسة مركز تنوير لتحالف الحضارات والتنمية الاجتماعية والثقافية، وباحثة في علم مقارنة الأديان، أن عنوان مداخلتها تمحورت حول تأثير التصوف الإسلامي في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب، لكاتبه اليهودي يحيى بن يوسف بن بقودة، حيث تروم هذه المداخلة إلى مدى تأثر التصوف اليهودي بالتصوف الإسلامي، وبالعودة الى هذا الكتاب الذي اعتمد جملة وتفصيلا على كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، ولولا الإشارات والإحالات الموجودة  داخل الكتاب التي هي مستقاة من التوراة والتلمود، لقلنا إنه من تأليف متصوف إسلامي، وضم الكتاب بين جنباته عشرة أبواب وكل باب نجد نظيرا له كذلك في كتاب الغزالي، ويمكن أن نورد هذه الأبواب على الشكل الآتي، أولا  باب إخلاص التوحيد لله ، وباب الاعتبار بمخلوقين، وباب التزام الطاعة  لله، وباب التوكل على الله، وباب إخلاص العمل لله ، وباب التواضع، وباب الثوبة، وباب المحاسبة للنفس، وباب الزهد في الدنيا، وباب المحبة في الله، مشيرا إلى أن هناك  من الدراسين من ذهب إلى أن هناك كذلك، تأثيرا واضحا لكتابات الغزالي وذلك من خلال كتاب كان  قد نسب للغزالي وهو كتاب "الحكمة في مخلوقات الله"، هذا الكتاب وإن ذهب مجموعة من المستشرقين إلى أنه نسب إلى الغزالي، وأنه ليس من تأليفه إلا أننا نجد أن هناك التقاء ما بين كتاب "الهداية إلى فرائض القلوب" و"كتاب الحكمة في مخلوقات الله".

على مستوى آخر أفاد ياسين علي محمد، أستاذ مادة الفلسفة الإسلامية بجامعة وستين كيب بجنوب إفريقيا، لـ"الصحراء المغربية"، أنه جاء إلى المغرب من أقصى جنوب إفريقيا إلى أقصى شمال إفريقيا، وأنه قدم مداخلة خلال هذا المؤتمر الصوفي، حول المبادئ الثلاثة التربوية عند الإمام العزالي، أولها التوازن بين العلم والعمل، لان الإمام الغزالي يقول لا يمكن أن نحصل على المعرفة دون العلم فلابد من العمل، ولا يمكن أن نحصل على هذه المعرفة بالعمل فقط فلابد من الاعتماد على العلوم العقلية، وهذا شيء معروف لان الإمام الغزالي يركز كثيرا على العقل، المبدأ الثاني يتمثل في طهارة النفس، وهو جانب مهم في التصوف لأن الكثير من الطرق الصوفية لا تركز على العقل، بينما يتجلى المبدأ الثالث في الشروط التي يجب ان يتصف بها الشيخ المعلم، الذي يجب أن يكون حميد الصفات ومثالا للأخلاق وللصبر حتى  يشرف على تعلم المريد".

وأكد ياسن ان بلده يتوفر على العديد من الزوايا والطرق الصوفية، لكنها تركز فقط على القصائد والاذكار، والإمام الغزالي يقول "لا نحصل على المعرفة دون الفكر والعلم"، وهذا شيء أساسي ومهم لأن الشيخ الصوفي يجب ان يكون عالما، كما يؤكد ذلك الإمام الغزالي، حيث قال " للوصول لليقين نبدأ بالشك، كي نصل لليقين باستعمال العقل".

وشدد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة وستين كيب، على أن الزوايا والطرق الصوفية مازالت تعج بجنوب افريقيا، وأن المسلمين هناك هم أقلية يمثلون فقط اثنين في المائة، وأول مسلم جاء من اندونيسيا وهو الشيخ يوسف المقاصري، حيث أرسله الاستعمار الهولندي إلى سجن بجنوب إفريقيا، ونشر بداخله الدين الإسلامي وصار له أتباع، وان الطرق الصوفية حاليا تساعد المسلمين في بلدهم على الحفاظ على الدين الإسلامي ونشره. 

 




تابعونا على فيسبوك