بعد 'نحيب الملائكة' و'برزخ الرواح العاشقة' و'مدامع الورد'

الشاعرة هند لبداك تصدر 'محراب النور'

الجمعة 29 ماي 2015 - 13:26
4610
 الشاعرة المغربية هند لبداك

بعد "نحيب الملائكة"، و"برزخ الرواح العاشقة"، و"مدامع الورد"، أصدرت الشاعرة والكاتبة هند لبداك "محراب النور" عن منشورات أمنية للإبداع الفني والتواصل الأدبي، وبدعم من نقابة الأدباء والباحثين المغاربة.

عن هذا المنجز الأدبي الذي شمل سبعة عشر بابا، وجاء في أزيد من 200 صفحة من القطع المتوسط، كتب محمد السعيدي، أستاذ باحث وقاص وشاعر، مقدمة المؤلف، التي عنونها بـ" محراب النور شعلة وهاجة" والإصدار عبارة عن مناجاة، إذ يبرز أن المناجاة جنس أدبي فريد، تتوحد فيه رؤى المناجي/المناجية، ويتماهى مع الموجودات في ضعفها وقوتها، جمالها وجلالها، في سكونها وحركتها، عجزها وقدرتها، بساطتها وعظمتها. ويضيف السعيدي انه إذا كانت المناجاة ألوانا وأشكالا فهي عند الأديبة القاصة هند لبداك ذات خصوصيات فنية وتميز سردي، وتفرد أسلوبي يشع معنى ويسمو ألقا.

أنها شاعرة الروح، يقول السعيدي، لغتها شفافة وثابة، ترنو إلى الطبيعة الساحرة المرئية والمتخيلة، تعانق خلالها بسمات الزهور، خرير المياه، هدير البحار، تساقطات المطر، حفيف الأغصان بلغة شعرية فوارة تنبض رؤى جمالية، وتسمو بإيماءاتها في عالم الملكوت الرحب. تنشد الفضيلة في ابتهالات صوفية رقراقة وتوسلات إلى الخالق دفاقة وتراتيل في محراب الأنس وهاجة. إنه المحراب المحمدي تنبجس منه الأنوار فتسري في الأكوان بإذن ربها، طيعة سلسة ترفرف عليه أجنحة جبريل عليه السلام وضاءة لماعة، حاملة ألوية القرآن وهاجة فياضة تنسكب إخاء بين الأنام لا يلين وسلاما بينهم لا يغيب ووسطية أثناءهم لا تفتر. تجوس خلالها المبدعة لبداك نصوصها السردية بعبارتها الباذخة امتدادا للذات الإنسانية هي ذاتها المؤسسة لآفاق جمالية للذوات الإنسانية الوجودية الأخرى في رحاب شعرية استلهاما لترنيمة مأثورة للشاعر الكبير محمود درويش:" الشعر نمط وجود وعلامة هوية".

الإبداع من منظور لبداك ابتكار وتنوع، لا يقبل الارتباط بالأنماط، إن أعجبت وتأثرت بأساليب راقية ومناهج رائقة، فهي تتخلص من كل القيود المعطلة لإشعاع نبوغها، معتمدة التجديد في ما تكتب برؤى رومانسية تجد فيها راحتها، وتلفي فيها طمأنينتها، تهرب بها وإليها من العوالم المادية، منشدة نقاء الأرواح في عليائها وطهارتها، في سرديتها البرزخية وصفائها.

من جهة أخرى، خص الباحث في الدراسات الصوفية، عبد الفتاح الخياري، هند لبداك باستهلال خاص اختار له عنوانا دالا وموحيا، وهو "ذخيرة المشتاق"، إذ يقول إن "محراب النور مولود جديد أهل علينا من رحم عين الجمال وهو يبتسم في وجوهنا ويتكلم في مهده بلغة العشق والهيام"، مضيفا أن محراب النور هو مفتاح باب الدخول إلى حضرة الرسول، ومسك نوراني دقيق، يتدفق بالأنوار المحمدية ويزخر بآيات التعلق والاشتياق لمعانقته والتمتع بالنظر إلى عالته المشعة في جل العوالم. هو سفر بالمعاني الجمالية إلى فضاء الملكوت، ورحلة روحانية إلى مقدس الحقائق الربانية، وترجمان للذواق الندية في محبة خير البرية. هو أنشودة وجدانية ورسالة إنسانية مفعمة برحيق العشق الإلهي وبالمحراب نسجت حكاية سيدة مولعة بالنور، عاشقة للجمال، حالمة ورافعة لواء المحبة بكل تجلياتها ومظاهرها.

في كل أنحاء الكتاب يقول عبد الفتاح الخياري تسمعنا هند لبداك صوت العشق بكل تجلياته، بعشقها لنور سيدنا محمد، بل للنبي محمد نفسه، والنور هو حبلها المتين الذي تمسكت به وهي مدركة بوجدانها أنه يسوقها إلى الغاية وهي أصل النور ومنبعه، ومنه العمق الجمالي.

محراب النور انتصار للمحبة الإلهية ونصرة للحبيب سيدنا محمد شمس عين الوجود واحتفاء بإنسانيته وتمجيد لرسالته، وبرحابة يستطيع القارئ أن يستشف رفاهة الأحاسيس وأنينها وتدفقا للمشاعر بأحزانها الخفية وأمالها النابعة من فيض آيات القرآن لتضيء أركان المحراب بنور الأسماء والصفات الإلهية وتزخرفه بنقش كله حسن وبهاء.

ومن ضفاف دوحة الحبيب تشدو بعشقها يتناغم بتوهج روحانية فائحة من نسيم الوصال وود الاتصال. يمتد النور إلى لغة الكاتبة في تماسك لغوي متين وحركة شاعرية منبثقة من ذات الكاتبة المبدعة هند لبداك المهووسة بجمالية الأدب وأدب الجمال، الذي فتح لها آفاق الكتابة والإبداع، وهذا يدل على مدى نضجها الفني الذي تعبر عنه بصور متنوعة، وتسرده بأسلوب يحافظ على نسق الكلمات مع المضمون أو المحور المحرك لوجدانها، وهذا إثبات وجودي لكيانها يتيح لها مساحة وموقعا طلائعيا لتشييد صرح أدبي جديد على شاكلة المحراب من حيث المقصد والدلالة. والحق أن هند لبداك عثرت على ذاتها المبدعة التواقة إلى التحرر من أصفاد النصوص الأدبية الجافة، بعد رحلة فنية بديوان الأدب العربي، وبمحراب النور تلمح لنا بشكل جلي ظاهر انعتاق النص من نمطية الكتابة إلى روح الإبداع الخالص بخط أدبي يزاحم الأجناس الأدبية المألوفة بل ويتوفق على الكثير منها.

من خلال هذا العمل الإبداعي الوازن يستطيع زائر محراب النور أن يكتشف الطبيعة بصور جمالية جديدة ناطقة بلسان المحبة، ويشاهد جمالية الذات السابحة في بحار أنوار الأحدية، بعد أن تخلصت من المحسوس والخروج عنه برشحة من فيض نور الهدى، وبمنحة إلهية مشرقة انطوت لها الأكوان بلمحة من نور الحق، فانفلقت الحقائق والرقائق بأطوار نفسها والتحمت بذاتها الملهمة، لتنهل من عين بحر الجمال.




تابعونا على فيسبوك