قال إن القرآن هو النموذج الحقيقي الممثل للغة العربية

الطاهر بن جلون: اللغة العربية ثرية وصعبة

الجمعة 18 شتنبر 2015 - 11:57
9416
الكاتب والشاعر المغربي الطاهر بن جلون

قال الكاتب والشاعر المغربي الطاهر بن جلون إنه يجد صعوبة في الكتابة بالعربية، مؤكدا أن كتابة كتاب كامل بالعربية مستحيل.

أوضح أن اللغة العربية لغة ثرية للغاية، وأيضاً صعبة للغاية، مشيرا إلى أنه  في فرنسا لغة راسين، رابليه، مثال سامٍ للغة الجميلة، وفي إنجلترا، يجد المرء شكسبير، أو دانتي في إيطاليا. ولكن في العربية لا نتوافر على كاتب نموذجي. بيد أننا من الممكن أن نرى أن القرآن وحده النموذج الحقيقي الممثل للغة العربية، إنه قوي للغاية.

بالكلام عن الفرانكفونية، ما الجديد، ألم يزل لهذه «اليافطة» معنى في الأدب الفرنسي اليوم؟

أمنحك مثالا في بادئ الأمر: قبل فترة من الزمن طرحت السؤال على آلان روب-غرييه، الذي أجابني ببساطة: «لا أعرف، أنا فرنسي، لست فرنكفونيا»، وتلك مشكلة: «فرانكفوني» لدى الفرنسي تعني آليا: أنه غير فرنسي. وبالتالي، الكتاب الفرنسيون ليسوا فرانكفونيين، هذه الحالة تختلف لدى الكتاب الإنجليز: هناك الكثير من الكتاب المنتمين إلى أصول آسيوية، باكستانية.. يعيشون في لندن، أو في أي مكان آخر، ويكتبون بالإنجليزية، غير أنه لا ينظر إليهم بصورة مختلفة كما في حالة فرنسا، عن نفسي، أكتب بالفرنسية، وتلك هي اللغة التي تعلمتها في المدرسة، وليس من المفروض عليَّ تبرير مسلكي، هذا النوع من الارتياب لا يهمني، وإنما من الملائم ملاحظة وجوده وضرورة معارضته.

لذلك قبلت الحوار معي حول هذا الموضوع؟

سؤال الفرانكفونية، بالنسبة لي، أساسي. تكلمت عنه كثيرا في البرامج التلفازية وكذلك في الصحف، على أساس الدفاع عن الحق، فضلا عن ذلك، لا أحبذ الكلام عن كتبي، لا أحب أن أحل محل النقاد، وأفك الشفرات المختفية في الغالب ما بين الأسطر، حتى تلك التي لم أفكر فيها، أفضل الكلام عن ما يحيطنا، ككاتب ومواطن.

حسب رأيك، لماذا ترى توفر الاختلاف بين فرنسا وانجلترا على مستوى الاعتراف الأدبي بالكتاب من أصل كولونيالي؟

لفرنسا علاقة خاصة مع مستعمراتها القديمة، وهي لم تختف بعد. مثلا، انتهت حرب الجزائر في عام 1962، وبالتالي مضى ما يقرب النصف قرن، ولكن هناك شيئا ما لم «يهضمه» التاريخ.

لماذا تكتب بالفرنسية، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك؟

حزت على تعليم ثنائي اللغة، والكتابة بالفرنسية تسمح لي بالتعبير عن أشياء أستطيع قولها (ولا أستطيع قولها) بالعربية. في البداية، كانت طريقة لإخفائها عن والدي، ولكن منذ بدأت الكتابة بالفرنسية لم أتوقف. الآن، أجد صعوبة في الكتابة بالعربية، كتابة كتاب كامل بالعربية مستحيل، في الواقع، اللغة العربية لغة ثرية للغاية، وأيضا صعبة للغاية، في فرنسا لغة راسين، رابليه، مثال سام للغة الجميلة، في انجلترا، يجد المرء شكسبير، أو دانتي في إيطاليا. ولكن في العربية لا نتوفر على كاتب نموذجي، الشاعر العربي الكبير اليوم لا يسيطر على 100% من اللغة، مثلا الشاعر الكبير محمود درويش، فلسطيني، ماهر، بيد أننا من الممكن أن نرى أن القرآن وحده هو النموذج الحقيقي الممثل للغة العربية، إنه قوي للغاية.

هل تعتبر اللغة الفرنسية أكثر علمانية؟

– نعم، وفي نفس الوقت تسمح ببعض الاختراقات، لست قادرا على فعلها بالعربية، لست محيطا باللغة العربية، في الفرنسية، أشعر دوما بأنني أكثر حرية، حتى في خلق، تخيل، إساءة معاملة اللغة.

حسب بيار آسولين، الكتاب الفرانكفونيون وحدهم فقط القادرون على تجديد اللغة، وتخصيبها بل وإثراؤها. ما هي وجهة نظرك؟

في الحقيقة، هناك كتاب مجددون من الكونغو، غواديلوبي، والمارتنيك.. باتريك شاموازو، مثلا، كتب بالكريولية، وبالتالي «كريول» اللغة الفرنسية، وأثراها بقوة. من جهة أخرى، حينما قرأته شعرت بالحاجة إلى قاموس، فهمته بصعوبة، كثير من التجديدات، التقيت شاموازو في المغرب قبل ثلاثة أسابيع، خلال حديثنا، شعرت بأنه يبحث عن الصعوبة، يحب الذهاب أبعد من الكتاب الكلاسيكيين.

لماذا لغتك سهلة، أنيقة، وهناك بحث عن الدلالة أكثر من الإثراء البسيط للكلمات؟

أكتب بالفرنسية، ولكن أتحدث عن مجتمع غير المجتمع الفرنسي، وربما لهذا السبب قلت ما قلته، التقليد المغربي، أو العربي، يثمن هذه المقاربة للغة، بمعنى: نمنح أهمية مضمونية لنتاجنا. أمين معلوف، لبناني، أو بوعالم صنصال، جزائري، يكتبان بلغة سهلة أيضا. القراء يحبون أدبنا لأنهم يجدون شيئا ما بداخلها على مستوى المضمون. للغة الفرنسية هذه المزية، مزية كونها مكتوبة من قبل كتاب قادمين من أماكن أخرى وهذا المكان الآخر مثير للاهتمام.

كيف يراك العالم، وما هي الصورة التي ترسلها، وما الذي يبحث عنه جمهورك وهو يقرأ نتاجك؟

فيما قبل، ربما كان القراء يبحثون عن الإصابة بالحيرة. في نفس الوقت، لا أكتب أدبا غرائبيا أو فلكلوريا، وهذا لا يعني أي شيء بالنسبة لي، حتى وأنا أقص حكاية حديثة، مثل «السعادة الزوجية»، التي كتبتها العام الفائت (تروي الرواية موضوعا عالميا، ولكنه يدور في المغرب، في ظل الصراع الثقافي والسوسيولوجي القائم في مجتمع هذا البلد)، رأينا أن الكتاب نجح وترجم إلى الإيطالية والألمانية.. وهذا يعني أنها ليست حكاية مغربية تم تثمينها، وإنما شيء ما يتعلق بالعالم بأسره. هذا يتعلق بالكاتب، لا أعرف كيف ينظر إلي، أكتب منذ أربعين عاما وأنا متأكد من أنه إذا لم يتوفر لدي جمهور لما واصلت، لا أعتقد أنه من غير الممكن الكتابة ما دمنا لا نمتلك جمهورا، الكتابة لأجل الذات في ركن صغير… لا. أكتب لأنني أشعر بوجود جمهور.

أنت معروف ومترجم في العديد من البلدان، يقال إن قدرك مختلف عن بقية الكتاب الفرانكفونيين، ما الذي تغير في حالتك؟

جائزة غونكور، إنها الخاصية الفرنسية، وهي حالة فريدة في العالم، ليست هناك جائزة أدبية مثلها تجيش الكثير من وسائط الإعلام ذات أهمية كبيرة في العالم، أذهب إلى «دوران» في نونبر المقبل، إذا تمكنت من الوصول إلى هناك، فهذا طيب، إنها حدث يترجم من خلال الأهمية العالمية، جائزة غونكور مترجمة إلى أربعين لغة، وهذا كثير، مما تفتح أبعادا استثنائية، على أي حال، من الممكن القول إن فرنسا تترجم كثيرا، مثل إيطاليا 40 في المائة. بينما في أمريكا 3% فقط من الكتب أجنبية، نهتم بما يجرى في الخارج، وهذه قيمة، فالترجمة تعني الانفتاح، الفضول تجاه الآخر، وهذه مزية دور النشر، ولكننا نترجم ما يتماشى مع السوق، «الأعمال الرائجة»، ننظر إلى الإحصائيات، والنجاح يفضي إلى نجاح آخر.

من وجهة نظرك، القيمة الاجتماعية والإعلامية لأي جائزة تغير أهمية الناشرين الأجانب إزاء بعض الكتاب؟

بالطبع، بعد الجائزة، مثل غونكور أو غيرها، دور النشر تشتري الحقوق الفرنسية وتترجم، ولكن بالطبع هناك استثمار من ناحية الكاتب، في حالتي، بعد جائزة غونكور، مثلا في إيطاليا، ترجمت من قبل كبرى دور النشر، «بومبياني» و«اينودو»، ولكنني ذهبت مئات المرات لعرض كتبي، وإجراء اللقاءات مع الجمهور، والنشر في إيطاليا أصبح شأنا مهما للغاية كما في فرنسا، بعد ذاك من اللازم القول إن موضوع بعض الكتب يؤثر على التوزيع، في إيطاليا، أصبحت شعبيا بعد كتابي عن العنصرية، وهو لا يعبر عن إنتاجي الأدبي. وأيضا على وجه الخصوص ذهبت إلى عشرات المدارس في العالم، أحب الذهاب إلى المدارس.

ما هو دور الأدب في المجتمع اليوم؟

الناس يريدون معرفة ما يجرى في المجتمع، كتبي البيداغوجية، كما قلت من قبل، لا تعبر عن عملي الأدبي، وإنما مهمة لأنها تتناول القصور، الفراغ، والناس لا يعرفون ما يحيط بهم. مثلا، بالنسبة لإيطاليا، من يستطيع تفسير موجة الهجرة القادمة من المغرب وإفريقيا على وجه العموم؟ وهذا ما يجرى منذ ما يقرب من خمسة وعشرين عاما ولكن لا يوجد أي فرد للكلام عن الوضع، هناك فقط (حزب) «رابطة الشمال» الذي يؤجج العنصرية، من ناحية أخرى، من الصحيح أن دور الأدب يتمثل أيضا في حكي الحكايات، حينما زرت المكسيك، لم أبتع كتيبا سياحيا وإنما ابتعت كارلوس فوينتس، وكذا بورخيس وارنستو ساباتو قبل السفر إلى الأرجنتين. الروائي أفضل مترجم للمجتمع. أعتقد أنه من المهم منح الأدب دورا إخباريا عن المجتمع، نفهم بصورة فضلى إيطاليا حينما نقرأ مورافيا. حينما اشتغلت طويلا على صقلية، قرأت (ليوناردو) سياسيا. حتى وأنا أقرأ ايتالو كالفينو، تلك مناسبة خيالية لرؤية ايطاليا. بالنسبة لي، الأدب جفرافيا الخيال.

لا نتكلم عن الالتزام الأيديولوجي، ولكن كيف ترى الأدب كشهادة حية عن اللحظة التاريخية، ما هو دور الكاتب؟

الكاتب ليس فقط من يكتب كتابا، وإنما أيضا من يندمج كمواطن مع الحياة، ولهذا أتحرك كثيرا، أرى ضرورة الذهاب إلى الناس، الكتاب عن العنصرية منحني دورا جماهيريا، وهذا الدور استمر.

هل تغير دور الكاتب في هذه السنوات الأخيرة؟

هناك كتاب حققوا الاختلاف، مثل زولا، سارتر.. وكامو بالأخص، الذي انشغل ببلاده، بالتاريخ. كتب نصوصا رائعة، وهو أحد كتاب القرن العشرين العظام، وحتى اليوم مقروء ومثير للاهتمام. جيد، المنشغل أكثر بشخصه وفلسفته، لم يكن كاتبا على صلة بالمجتمع. «قوت الأرض» رواية قوية للغاية، غير أنها ليست ملتزمة، «الغريب»، أو «السقطة» لكامو كتابين عالميين، بالنسبة لي، الكاتب مواطن، من الممكن أن يتحصل على آراء سياسية، من الممكن أن ينحاز سياسيا، وهذا ليس حالي، أنا منشغل للغاية بالظرف الإنساني على وجه العموم، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، الهجرة، لأنها موضوعات تثير اهتمامي، أشعر بالحاجة إلى تحقيق الأدب الواقعي، الدرامي، الالتزام ليس هو الأدب الأيديولوجي، وأنا أمقته، أظل مشغولا بالظرف الإنساني.

ما الذي تمثله باريس بالنسبة لك؟

أعيش هنا في راحة، وهي تمثل نقطة العودة إلى المغرب، إلى العالم العربي. الفرنسيون في غير حاجة إلى الكتابة عن بلدهم، لديهم ما يكفي من الكتاب، نشرت نصوصا نقدية عن فرنسا، عن الضيافة الفرنسية، واستقبلوها بصورة سيئة، وهذا مثير للسخرية، والمكتبات رفضتها قبل أن تقرأها، فرنسا هي البلد التي استقبلتني، ولكن على المستوى السياسي أحبطني أولاند، وعلى المستوى الثقافي، كانت الستينات أكثر ثراء، هناك مظاهرات ضد حرب فيتنام، ضد العنصرية، من أجل الدفاع عن المهاجرين، وهي أشياء من اللازم ذكرها على وجه الإطلاق، سارتر وجماعته، ميشال فوكو، منحوا فرنسا هذا المظهر، نظهر النقاش والمعارضة، اليوم، كل شخص يعمل لحساب نفسه، لا ينزل أحد إلى الشارع، المظاهرات الكبرى التي جرت منذ فترة طويلة كانت عن الزواج المثلى، نعم، تلك مشكلة اجتماعية، ولكن من الصعب اليوم دفع الفرنسيين للتظاهر لفضح السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، لا أحد ينزل إلى الشارع، بل يرسلون «تويتة» أو رسائل قصيرة.

كيف ترى هذا التغير؟

إنه سؤال الجيل، الجيل الذي أتى بعد سارتر وتقوقع حول نفسه بدلا من أن ينفتح على الخارج، اليوم، النقاشات تدور في التلفاز، حالة ديودونيه، العنصري، الإقصائي، في آخر الأمر، يتكلم عن إدماج أطفال المهاجرين، الفرنسيين، وأداها بصورة سيئة. وتلك حقيقة. ولكنه لم يضحكني أبدا، فكاهته وضيعة، فضلا عن ذلك، يدعم الفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين ليسوا في حاجة إلى هذا النوع من المساندة، هناك أيضا حركات مناهضة للعنصرية المضادة للبيض، ومع ذلك لا أميز بين الناس، كل الناس قادرون على فعل كل شيء واللون لن يحدد الأشياء، اللون صدفة.




تابعونا على فيسبوك