أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في حوار مع المغربية

زين الدين: الإنتاج التشريعي ضعيف والنظام الداخلي للغرفتين يحتاج للمراجعة

الإثنين 15 أبريل 2013 - 10:35

يرى محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن الدورة البرلمانية السابقة تميزت بتأخر على مستوى المصادقة على مجموعة مشاريع قوانين، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان.

بالمقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية أن تحولا نوعيا وقع في الدورة البرلمانية الربيعية، التي ضمت أجندتها 62 مقترح قانون، جاءت به الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون من الحكومة. لكن هذا التحول يظل مرتبطا، حسب زين الدين، بمدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان للمصادقة على مقترحات القوانين، التي تقدمت بها الفرق البرلمانية.

وأبرز زين الدين، في حوار مع "المغربية" أن هناك مجموعة من الأمور تجعل البرلمان يشتغل في إطار محدودية كبيرة، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو الدبلوماسية البرلمانية.

ويلخص هذه الأمور في أن البرلمان المغربي يضم "نخبا متجاوزة تاريخيا وإيديولوجيا، وغير قادرة على ملامسة قضايا المواطنين"، محملا مسؤولية هذا الوضع للأحزاب السياسية، لأنها المسؤولة عن صعود هذا النوع من النخب التي تكون غير قادرة على الاستجابة لطبيعة المرحلة السياسية.

ويعتبر زين الدين أن النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين أصبح متجاوزا ومحدودا، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة، ما يستدعي إعادة النظر فيه. وتحدث عن أداء البرلمان المغربي مقارنة مع برلمانات أجنبية، تتميز بقوة النقاش السياسي العميق، ومواضيع أخرى في هذا الحوار.

ما هي قراءتكم لحصيلة الدورة الخريفية للبرلمان من حيث الإنتاج التشريعي؟

يمكن القول إن الدورة الخريفية لا تختلف عن سابقاتها، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو على مستوى الوظيفة الدبلوماسية، إذ لم يتجاوز معدل مشاريع القوانين في الدورة السابقة 52 مشروع قانون، بينما كانت هناك فقط 4 مقترحات قوانين.

وبالتالي، نلاحظ تفوق مشاريع القوانين، التي ظلت حاضرة بقوة في الدورة السابقة، على حساب مقترحات القوانين.

أما من حيث الرقابة، فيُلاحظ أنه لم يكن هناك تطور كبير في هذا الجانب، مقارنة مع ما جاء به دستور 2011 من آليات، سواء الرقابة في إثارة المسؤولية السياسية، أو دون إثارة المسؤولية السياسية، خاصة في مجال الأسئلة الشفهية التي كانت تطبعها الرتابة، ما يستدعي إعادة النظر في كيفية صياغة وطريقة طرح هذه الأسئلة، والتعامل معها بشكل عملي.

وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة إعادة النظر في النظام الداخلي للغرفتين، حتى يتماشى مع ما جاءت به الوثيقة الدستورية بشكل عام.

من هذا المنطلق، نستخلص أنه كان هناك تأخر في الدورة السابقة على مستوى المصادقة على مجموعة مشاريع قوانين، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان.

بالنسبة للدورة البرلمانية الربيعية، ما الجديد الذي يمكن أن تأتي به؟

بالنسبة للدورة الحالية، نلاحظ من خلال أجندتها أن هناك تحولا نوعيا، إذ تضم 62 مقترح قانون جاءت بها الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون جاءت به الحكومة.

وهذا التحول النوعي مهم جدا بالنسبة لهذه الدورة، لكن الأمر مرتبط بمدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان للمصادقة على مقترحات القوانين التي تقدمت بها الفرق البرلمانية، ومن بينها 10 مقترحات قوانين تقدمت بها المعارضة، تتعلق بالأساس بالقوانين التنظيمية.

من هذا المنطلق، المعارضة مدعوة لتمارس دورها، والبرلمان ليرفع من الإنتاج التشريعي، والحكومة لتسهيل عمل البرلمانيين من أجل رفع الإنتاج التشريعي. وإذا ذهبنا في هذا الاتجاه، سيكون هناك تحول مهم في العمل التشريعي بشكل عام.

وهذا يتطلب إعادة النظر في النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين لأنه أصبح متجاوزا، ومحدودا بشكل كبير، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة، رغم أنه وقعت عليه في السنوات الأخيرة العديد من التعديلات، إلا أنه ليست هناك رؤية أو أفق أو استراتيجية لتطوير الحكامة البرلمانية بشكل عام.

هل يعني هذا أن الدورة الحالية لن تحمل أي جديد؟

إن التحول يكمن في ما تضمه أجندة هذه الدورة، التي جاءت بـ62 مقترح قانون من الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون جاءت به الحكومة. وعلى مستوى مشاريع القوانين، هناك قانون تنظيمي واحد جاءت به الحكومة، لكن السؤال المطروح هو مدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان لمقترحات القوانين هذه.

مثلا، لما جاء فريق التجمع الوطني للأحرار بمقترحات قوانين تنظيمية تتعلق بالطعن في دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية، لقي معارضة مبدئية من قبل الحكومة، والأمر نفسه بالنسبة لمقترح قانون للفريق الاشتراكي حول الحق في الوصول إلى المعلومة.

ولا بد من الإشارة إلى أن هناك قضايا أخرى لها أهمية كبيرة جدا بالنسبة للعمل التشريعي، ويتعلق الأمر بالوظيفة الدبلوماسية للبرلمانيين، إذ لوحظ ضعف كبير على مستوى الأداء الدبلوماسي للبرلمانيين، علما أن المغرب يتوفر على أجندة قوية على مستوى شراكات التبادل مع العديد من الدول، واتفاقية الوضع المتقدم الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

لكن، بالمقابل، نجد نوعا من الجمود والفتور في العلاقات التي تربط المغرب والبرلمان الأوروبي. وكما هو معروف، إذا أردنا أن نقوم بأي تغيير أو تأثير في القرار السياسي الأوروبي، لابد أن يحصل ذلك عن طريق البرلمان الأوروبي.

وهنا نجد أن دور البرلمان المغربي مازال محتشما في هذا الجانب. ونسجل مجموعة من المعطيات سواء على مستوى التشريع أو الرقابة أو ظاهرة الغياب، وعلى مستوى الخطاب الذي أصبح خطابا "بوليميكيا" وشعبويا، يفرض على مدونة أخلاقيات البرلمان أن تُسرّع في أقرب وقت ممكن إتباع ضوابط قانونية وأخلاقية، تقضي باحترام حرمة المؤسسة، وإلا ستزداد النظرة الدونية والنمطية تجاه المؤسسة التشريعية من طرف المواطنين، خاصة أننا أصبحنا نفتقد النقاش السياسي العميق داخل البرلمان.


ذكرتم مسألة الغياب داخل البرلمان، وكان كريم غلاب صرح بأنه سيُفعّل قانون الاقتطاع من أجور المتغيبين دون مبرر، فهل يمكن تفعيل هذا القانون ومعالجة الظاهرة في الدورة الحالية؟

هذا ما يجب أن يحدث بالفعل، لكن ما الذي يجري على أرض الواقع ؟ لم يقع تفعيل هذا القانون، والمواطن المغربي يريد أن يرى تفعيل ما يقوله الفاعل السياسي على أرض الواقع، وليس أن يكون الخطاب في واد والممارسة البرلمانية في واد آخر.

المشكل المطروح حاليا هو المحدودية، إن لم نقل ضعفا كبيرا على مستوى الإنتاج التشريعي، إذ أن المعدل العام لا يتجاوز 50 مشروع قانون، في حين، أن الدول التي تتوفر على برلمان قوي، يصل معدل الإنتاج التشريعي فيها إلى 250 مشروع قانون في كل دورة، كما هو الشأن، مثلا، في البرلمان الألماني والكندي والكونغرس الأمريكي، إذ تتميز هذه الأخيرة بإنتاج تشريعي قوي، دون الحديث عن إشعاع العمل البرلماني.

وفي المغرب، لدينا برلمان لكن ليست لدينا آليات ذات فعالية لاستقطاب المواطن تجاه هذه المؤسسة التشريعية. فمثلا، في كندا تتوفر المكتبة البرلمانية على 120 ألف نسخة، وفي المغرب، يتوفر البرلمان على شبه مكتبة، لأنه لا يمكن أن نقول عنها مكتبة. والمكتبة البرلمانية تعتبر آليات استقطاب الباحثين وغيرهم من المواطنين.

كما نتساءل إن كانت القناة البرلمانية تقوم بدور القنوات الأخرى، وإن كانت ستتمكن من شد انتباه المواطنين. ولا بد من الإشارة إلى أن طبيعة النخب البرلمانية في هذه الدول تختلف عنها في المغرب، إذ نجد أن النقاش السياسي داخل برلماناتها يكون عميقا، بينما في البرلمان المغربي نخب متجاوزة تاريخيا وإيديولوجيا وغير قادرة على ملامسة قضايا المواطنين، بما فيها القضايا الاجتماعية.

كل هذه الأمور تجعل البرلمان يشتغل في إطار محدودية كبيرة، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو الدبلوماسية البرلمانية. وهذه المسؤولية تتحملها الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى، لأنها هي المسؤولة عن صعود هذا النوع من النخب، التي تكون غير قادرة على الاستجابة لطبيعة المرحلة السياسية.

في السياق ذاته، نلاحظ أن البرلمان يتميز بازدواجية في العمل، هل هي ظاهرة صحية بالنسبة للعمل التشريعي؟

لنظام الغرفتين أو ازدواجية العمل البرلماني، إيجابيات وسلبيات. وهذا النظام يكون حاضرا بقوة في الدول الفدرالية وليس الدول البسيطة أو الدول الموحدة مثل حالة المغرب. وهذا النظام تتبناه الدول التي تسير في اتجاه اللامركزية في التدبير، كما هو الشأن بالنسبة لاسبانيا.

ونحن في المغرب بحاجة إلى ازدواجية العمل البرلماني التي جاء بها الدستور، الذي صحح وضعية نظام الازدواج البرلماني، وأعطى صلاحيات كثيرة لمجلس النواب وقلصها بالنسبة لمجلس المستشارين.

وهذا توجه ديمقراطي ومنطقي جدا، لأن مجلس النواب يخضع للاقتراع العام المباشر، ومجلس المستشارين يخضع للاقتراع العام غير المباشر، وبالتالي، فإن الاحتفاظ بنظام الغرفتين توجه استراتيجي لاعتبارين أساسيين، أولا، لأن مجلس المستشارين يمثل إطارا مؤسساتيا من خلال ما نسميه بالروابط المؤسساتية بين الدولة المركزية والجهات، على اعتبار أن مجلس المستشارين يمثل الجهات، والاعتبار الثاني هو أن تحظى النقابات بتمثيلية عادلة للدفاع عن حقوقها، ومجلس المستشارين هو الذي يحقق ذلك.

وبالتالي، فإن المشرع المغربي أحسن صنعا حين حافظ على نظام المجلسين، لكنه في الوقت ذاته قلص بشكل كبير من صلاحيات مجلس المستشارين، وقوى من صلاحيات مجلس النواب وهذا توجه ديمقراطي، عكس ما كان في السابق، إذ كان هناك نوع من التوازن بين الغرفتين، وكان ذلك يعرقل العمل التشريعي، كما أن المسطرة كانت جد معقدة.

لكن دستور 2011 صحح الوضع، وإذا ذهبنا في اتجاه التصحيح، فإن ذلك يقتضي تأهيل العمل التشريعي، سواء من حيث تأهيل النواب البرلمانيين تشريعيا أو رقابيا أو دبلوماسيا.

بخصوص الرقابة، هل تقوم المعارضة بدورها في مراقبة عمل الحكومة؟

إن دور المعارضة محدود جدا، وكما ذكرت، هناك مجهود يبذل على مستوى الإنتاج التشريعي، إذ جاءت الفرق البرلمانية بـ62 مقترح قانون أغلبها قدمتها المعارضة.

لكن، على مستوى مراقبة عمل الحكومة، نلاحظ ضعفا كبيرا في هذا الجانب، إذ أصبحت الحكومة تعارض نفسها. ويجب على الحكومة أن تشجع المعارضة، في حال تحولت إلى قوة اقتراحية، على الرفع من الإنتاج التشريعي، بإعمال الفصل 10 من مقتضيات الدستور.

وهنا أتحدث على المستوى الكمي، أما على مستوى الكيف ومدى احترامه للمعايير الدولية المتعلقة بالحكامة البرلمانية، فهذا شيء آخر، لأننا لم نصل بعد لهذه المرحلة، ومازلنا في مرحلة أولية، تتعلق بتفعيل مقتضيات الدستور، وتمكين المعارضة من القيام بأدوارها التشريعية والرقابية والدبلوماسية.

وعن القوانين التنظيمية للانتخابات، هل تتوقعون ظهور معالم للانتخابات الجماعية المقبلة في الدورة الحالية؟

حسب تصريحات أعضاء الحكومة، خاصة وزير الداخلية، فإن المغرب ليس لديه مشكل. وبالفعل، إذا نظرنا للممارسة السياسية، نجد أن المغرب كانت له تجربة سياسية مهمة جدا من خلال وزارة الداخلية، من حيث إدارة العملية الانتخابية.

لكن الانتخابات الجماعية المقبلة، وانتخابات مجلس المستشارين ستتطلب، على الأقل، إنجاز 30 قانونا جديدا يوضع في هذه المرحلة للانسجام مع مقتضيات الدستور. وهذا يحتاج إلى قدر كبير من التوافقات السياسية، ليس فقط بين مكونات الأغلبية، بل أيضا مع المعارضة، لأن هذه القوانين هي التي ستحدد قواعد اللعبة الانتخابية المقبلة.

وهناك اختلافات كبيرة، حتى بين مكونات الأغلبية في حد ذاتها، حول هذه القوانين الانتخابية، ما يستدعي حضور منطق التوافق السياسي في القوانين الانتخابية المقبلة بين مكونات الأغلبية، وبين الأغلبية والمعارضة.

هل هذا يعني عدم ظهور أي معالم للانتخابات الجماعية المقبلة؟

من الصعب جدا أن يحدث ذلك، لأنه ستصعب المصادقة على هذه القوانين الانتخابية في ظل الظروف الحالية، وفي ظل الوضع الذي تعيشه الحكومة.

انطلاقا من هذه الخلافات، هل تعتقدون أن فرق الأغلبية والمعارضة ستتمكن من ممارسة مهامها وفق مقتضيات الدستور في الدورة البرلمانية الحالية؟

يصعب القول إن فرق الأغلبية والمعارضة تقوم بدورها، كما أننا مازلنا نرى أن البرلمان يحاول أن يعطي انطباعا للمواطن بأنه يمارس الوظيفة التمثيلية بما للكلمة من معنى، علما أنه لم يخرج من إطاره القديم، إذ لا يقوم بوظيفته التشريعية والرقابية وحتى الدبلوماسية على الوجه الأكمل.

وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع بين عشية وضحاها أن نرى عملا تشريعيا يوازي البرلمان الأمريكي أو الكندي، لأن ذلك مرتبط بتحسين المؤهلات الذاتية والموضوعية، وبطبيعة النخب الحزبية، وبآليات اشتغال البرلمان، وتدبير الحكامة البرلمانية، وهي أمور غير متوفرة لدينا في الوقت الحالي.

بالرجوع إلى سنوات السبعينات والثمانينات، نجد أن البرلمان المغربي كان يتوفر على نخب برلمانية قوية، وكان النقاش السياسي داخل البرلمان مختلفا عنه اليوم، فإلى جانب "مول الشكارة" كان هناك الأكاديمي ورجل السياسة المحنك، وأسماء خلقت نقاشا سياسيا عميقا.

أما النقاش الذي أصبحنا نراه الآن داخل البرلمان، فهو تبسيطي، وفرجوي وشعبوي، وبوليميكي، لا يفيد المواطن في شيء. والأحزاب السياسية هي التي تتحمل مسؤولية الوضع الحاصل داخل البرلمان.

صلاحيات تشريعية واسعة للبرلمان في دستور 2011

وسع دستور فاتح يوليوز 2011 الصلاحيات التشريعية للبرلمان، من منطلق الفصل بين السلطات، وإعطاء دور كبير للمعارضة البرلمانية.

ويرى فقهاء القانون الدستوري أن البرلمان أصبح هو المشرّع الأول في الوثيقة الدستورية، بعدما توسعت اختصاصاته من 30 مجالا للتشريع في دستور 1996 إلى 60 في الدستور الجديد، وأصبحت السلطة التشريعية وسن القوانين محصورة فيه. وشملت المجالات الجديدة قضايا العفو العام، والجنسية، ووضعية الأجانب، ونظام السجون، ونظام مصالح وقوات حفظ الأمن، ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية.

تضمن دستور 2011 مقتضيات جديدة في مجال مراقبة عمل السلطة التنفيذية، تخول مجلس النواب متابعة ومساءلة الحكومة، إذ أصبح على رئيس الحكومة أن يعرض أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل فريقه، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، كما تخصص جلسة شهرية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، فضلا عن آلية الأسئلة الكتابية والشفهية، وحق لجان المجلسين الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين.

ولمجلس النواب أن يقدم ملتمس رقابة ضد الحكومة، بتوقيع من خُمس أعضائه، مع تقوية صلاحيات المعارضة، بمنحها حق المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، وفي مراقبة العمل الحكومي، خاصة عن طريق ملتمس الرقابة، والمساءلة، والأسئلة الشفوية، واللجان النيابية لتقصي الحقائق.

ويسجل إدريس الفاخوري، الأستاذ الباحث في كلية الحقوق بجامعة محمد الأول في وجدة،
توسيع مجال القانون في دستور 2011، بارتفاع عدد مواده من 30 إلى 60 مادة، بينها 26 قانونا تنظيميا، خاصة ما تعلق بالضمانات في مجال الحقوق والحريات، والعفو العام، والتقطيع الانتخابي، ومجالات الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية.

ويرى الباحث أن توسيع سلطات البرلمان في المجال التشريعي يعد من أبرز المستجدات، إذ يمارس البرلمان السلطة التشريعية بشكل واسع، ويصوت على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات الحكومية، كما ضبط مجال التشريع بدقة، من خلال توسيع صلاحيات البرلمان والانتقال من 20 اختصاصا إلى 40 اختصاصا لسن قوانين ذات أهمية وشاملة لمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.

كما اختص البرلمان بإصدار القوانين التنظيمية، إلى جانب اختصاصه بإصدار التشريع العادي. وتختلف القوانين التنظيمية عن غيرها من القوانين الصادرة عن البرلمان من حيث مسطرة وضعها ومن حيث أهميتها.

فمن حيث الأهمية، تعتبر أعلى درجة من القانون، نظرا لتعلقها بتنظيم المؤسسات الدستورية، ومن هنا تعتبر هذه القوانين امتدادا وتكميلا لنصوص الدستور وتكتسب، أحيانا، الاستقلال في تشريع بعض القواعد التي لها الصفة الدستورية في الأصل، ولم يتناولها الدستور، لكنه أحال في شأنها على هذه القوانين التنظيمية.

وتقوى دور المعارضة البرلمانية، إذ تشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، وأصبحت لها ضمانات تخولها حقوقا، للنهوض بمهامها في العمل البرلماني والحياة السياسية، كالمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، من خلال تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع في مجلس النواب، مع تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسيه، خاصة تسجيل مقترحات قوانين في جدول أعمال مجلسي البرلمان، إذ نص الدستور على تخصيص يوم على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة.

وعموما، اتسعت اختصاصات البرلمان لتشمل، بنص صريح، تقييم السياسات العمومية، لاعتبارات كثيرة، أولها أنه سيكون هو المحتكر لمجال التشريع، إذ سيمر عبره كل ما سيظهر من قوانين تمس مختلف مناحي حياة المواطن.

محمد الخدادي

ينتظر أن تشهد الدورة الربيعية من السنة التشريعية الحالية جولات ساخنة بين الحكومة والمعارضة، أمام ظرفية مالية واقتصادية صعبة، في ظل تقارير شبه رسمية، تفيد بتجاوز نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة نسبة 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولجوء الحكومة إلى تجميد مبلغ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومي في ميزانية السنة الجارية.

سيكون هذا الموضوع حصان المعركة بالنسبة إلى المعارضة في جلسة الأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، في إطار مراقبة السلطة التشريعية لعمل السلطة التنفيذية.

إلا أن وظيفة المراقبة يفترض ألا تؤثر سلبا على الإنتاج التشريعي للبرلمان، الذي رفعه دستور فاتح يوليوز 2011 إلى مقام المشرع الأول، ذلك أن إخراج القوانين التنظيمية، المنصوص عليها في الدستور، يعتبر واحدا من الرهانات الكبرى خلال الولاية التشريعية الحالية.

وتقع مسؤولية هذا العمل التأسيسي على عاتق كل من الأغلبية والمعارضة، من خلال السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن المجتمع المدني، انطلاقا من الدور المنوط به في الوثيقة الدستورية الجديدة.

إن القوانين التنظيمية تعتبر ذات طبيعة تأسيسية، كامتداد للدستور، فهي تلي نص الوثيقة الدستورية من حيث الأهمية القانونية، وبعدها، تأتي القوانين العادية، لذلك تختص القوانين التنظيمية بقدر كبير من الأهمية، باعتبارها مفسرة ومكملة لنصوص الدستور، ما جعل المشرع الدستوري يخصها بأهمية قصوى، من خلال وجوب البت فيها من قبل المجلس الدستوري، لضبط ملاءمتها مع فصول الدستور.

كما يجب أن تتطابق القوانين التنظيمية المنتظرة مع الروح الديمقراطية للدستور، الذي رقى الخيار الديمقراطي للبلاد إلى مستوى الثوابت الوطنية، وقد التزم "ميثاق الأغلبية" للأحزاب الأربعة بالتنزيل الديمقراطي للدستور، والوفاء بالوعود والالتزامات المتضمنة في برامجها الانتخابية.

لقد كانت حصيلة الدورة التشريعية الخريفية غنية نسبيا من حيث عدد القوانين المصادق عليها، إذ بلغت 41 نصا تشريعيا، بما فيها مشروع القانون المالي 2013 و27 اتفاقية دولية، لكن تلك الدورة لم تعرف المصادقة على أي قانون تنظيمي أو قانون تأسيسي، كما هو منصوص عليه في الدستور، ويفترض أن تنتعش الآلة التشريعية، بعد أن صاغت الحكومة "المخطط التشريعي"، للمدة المتبقية من ولايتها.

لقد شكلت القوانين التنظيمية ثغرة في الدساتير المغربية السابقة، إما لعيوب في صياغتها، نشأت عن التوافقات الظرفية، أو لأن تلك القوانين لم تصدر أصلا، كما هو شأن القانون المنظم لحق ممارسة الإضراب، المنصوص عليه منذ أول دستور مغربي، سنة 1963، والذي لم ير النور لحد الآن، ما يعني أن الورش الدستوري يظل مفتوحا، واستكماله يضع البرلمان، بأغلبيته ومعارضته، أمام تحديات كبيرة، في ظرفية صعبة.

هناك نقطة ضوء في الأفق، مع وجود بوادر موسم فلاحي جيد، من شأنه أن يخفف من وطأة الأزمة.

حميد السموني

أعطى كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، انطلاقة أشغال دورة أبريل من السنة التشريعية الثانية من الفترة النيابية التاسعة، طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور.

ودعا غلاب، في تصريح لـ "المغربية"، فرق مجلس النواب إلى العمل على تفعيل الآليات الجديدة، التي جاء بها دستور2011، المتعلقة بتقييم السياسات العمومية، ومناقشة تقارير مؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات، والحكامة الجيدة، والتنمية البشرية والمستدامة، والديمقراطية التشاركية، والمجلس الأعلى للحسابات.

وقال غلاب إن هذه "الاختصاصات الجديدة التي أناطها الدستور بمؤسستنا التشريعية، بقدر ما نعتز بها كآليات مهمة لتعزيز الرقابة البرلمانية، فإنها تملي علينا مسؤوليات إضافية، قصد الانكباب على تفعيل هذه المقتضيات الدستورية، وتوفير الأجواء والشروط المناسبة قصد التأسيس لممارسات برلمانية رائدة".

وبخصوص قضية الصحراء المغربية، التي صدر عنها تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، جدد رئيس مجلس النواب التأكيد على تشبث المغاربة بمسلسل المفاوضات في إطار الأمم المتحدة، بهدف الوصول إلى حل نهائي للنزاع المفتعل على أساس مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية.

وعبر غلاب، في تصريحه لـ "المغربية"، عن تطلعه إلى تنفيذ الخطة الاستراتيجية الرامية إلى تأهيل وتطوير عمل مجلس النواب في مختلف الميادين، وفي مقدمتها استكمال ورش النظام الداخلي للمجلس، وتسريع البت في بعض القضايا العالقة، من خلال تكثيف المشاورات، وتعميق النقاش بين الفرق والمجموعات النيابية، من أجل صياغة نظام داخلي متقدم، وإعداد مدونة أخلاقية تستحضر المهام الوطنية الكبرى المنوطة بالمؤسسة وبالنواب، في إطار التوجهات الكبرى للدستور، وبهدف تحديث البرلمان والرفع من أدائه.

وكان غلاب أعرب، في افتتاح الدورة الربيعية (5 أبريل الجاري)، عن تطلعه إلى مواصلة البرلمان تنزيل مقتضيات الدستور، وتعزيز أسس الدولة الديمقراطية المواطنة، التي تسودها قيم الحرية والكرامة والمساواة، مبرزا أن الدورة الاستثنائية، التي انعقدت بين اختتام دورة أكتوبر وافتتاح دورة أبريل، تميزت باستقبال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وبمواصلة المجلس لنشاطه النيابي.

وفي تقديمه لحصيلة البرلمان أثناء الدورة الاستثنائية، قال غلاب إن اللجان النيابية الدائمة عقدت خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين اجتماعات خصصت لتدارس عدد من مشاريع القوانين، خاصة المرتبطة بميدان التخليق، والمجال الاقتصادي والاجتماعي، والصحي، والعلاقات التعاقدية في مجال الكراء، وإحداث بعض المؤسسات العمومية.

وتحدث عن حصول "تقدم كبير" في دراسة بعض مشاريع القوانين داخل اللجان النيابية المختصة، التي ينتظر عرضها للتصويت في الدورة الحالية، وأن الحكومة أحالت على البرلمان مجموعة من مشاريع القوانين، تهم المجال الاقتصادي، والتنمية المستدامة والبيئة، والميدان الاجتماعي والصحي.

واستحسن غلاب مبادرة الحكومة في الإعلان عن مخططها التشريعي برسم الولاية التشريعية التاسعة، وقال إنه "معطى نعتبره إيجابيا، ويساهم في تحسين الحكامة التشريعية، غير أن ذلك ينبغي أن يكون بموازاة مع الاهتمام بالمبادرات التشريعية للنواب في إطار مقترحات قوانين، لاسيما أن الدستور أعطى مكانة خاصة لهاته المقترحات، إذ ينص على تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراستها، وهو المقتضى الذي نعتبره نقلة نوعية في مجال توسيع صلاحيات البرلمان".

وارتباطا بأهمية مقترحات القوانين باعتبارها رافدا من روافد التشريع، أوضح غلاب أن الدورة الاستثنائية تميزت ببرمجة اللجان النيابية وتدارسها لمجموعة من مقترحات القوانين، تهم مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والعلمية، والمالية، والقانونية، داعيا فرق البرلمان والحكومة إلى تكثيف المبادرات وتضافر الجهود، من أجل الرفع من وتيرة الأداء التشريعي.

وإلى جانب التشريع، تميزت الدورة الخريفية بمواصلة المجلس لنشاطه الرقابي، في تتبع وتقييم العمل الحكومي، ومواكبة التطورات التي تشهدها الساحتان الوطنية والدولية، والدفاع عن مصالح المواطنين، إذ أجابت الحكومة في الدورة الاستثنائية عن 574 سؤالا كتابيا.

كما تميزت الدورة بنشاط دبلوماسي، سواء على صعيد العلاقات المتعددة الأطراف أو في الإطار الثنائي، بمشاركة النواب في ملتقيات ومحافل دولية، إذ شارك عدد من أعضاء المجلس في أشغال لجان الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية للفرنكفونية، فضلا عن المشاركة في أشغال البرلمان الأوروبي، والمؤتمر 19 للاتحاد البرلماني العربي.

شارك البرلمان في أشغال الجمعية 128 للاتحاد البرلماني الدولي بالإيكوادور، وفي أول قمة لرؤساء برلمانات الاتحاد من أجل المتوسط بمرسيليا، في فرنسا.

الدورة الربيعية ستحسم في مدونة الأخلاقيات للبرلمانيين

علمت "المغربية" أن لجنة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب قررت أن تضمن مسودتها، التي ستعرض على الجلسة العامة للتصويت، خلال الدورة التشريعية الربيعية الحالية، وإحداث لجنة للأخلاقيات، مهمتها السهر على التنفيذ السليم للمقتضيات الواردة في المدونة.

وكشف برلماني من مكتب مجلس النواب، في تصريح لـ"المغربية"، أن المبادرة جاءت بناء على قرار من مكتب المجلس، وبعد استشارة رؤساء الفرق والمجموعات النيابية وبموافقة بعض فرق المعارضة.

وأشار إلى أن اللجنة ستعد تقريرا سنويا، يكون مضمنا لتصريحات النواب المرتكبين لبعض المخالفات المنصوص عليها في المدونة، وأنه، عندما يتبين للجنة الأخلاقيات أن أحد النواب ارتكب أفعالا تخالف أحكام المدونة، وبعد اتخاذ الإجراءات الواردة والتأكد من صحة المعلومات، تقوم اللجنة بالتنصيص عليها في التقرير، مع تحديد نوعية الجزاءات، والإعلان عن المخالفات في جلسات عمومية، وفي الموقع الإلكتروني للمجلس.

إضافة إلى الاقتطاع من التعويضات، ومطالبة النائب البرلماني المخالف للنظام الأساسي لمجلس النواب بإرجاع الامتيازات المتحصل عليها بطرق تخالف أحكام المدونة.

وكشف مصدر "المغربية" أن لجنة الأخلاقيات قررت أن تنص صراحة على تعليق كافة الحقوق المخولة للبرلماني، مع تعليق صرف التعويضات كيفما كان نوعها، إلى حين الامتثال للشروط المقررة من قبل اللجنة، مع تعليق المشاركة في المهام والأنشطة الخارجية للمؤسسة، إضافة إلى إقرار غرامات مالية بطرق قانونية.

وأبرز المصدر أن المسودة اهتمت كذلك بإحداث لجنة دائمة، تختص بافتحاص وتدقيق الإنفاق العمومي، الذي تقوم به الحكومة، من قطاعات وزارية تابعة لها، ومؤسسات عمومية، وستعمل تحت مسؤوليتها، من خلال صرف الموارد المالية المسجلة بالميزانية العامة للدولة في الحسابات الخصوصية للخزينة، وفي ميزانيات المؤسسات العمومية.

ويكمن عمل لجنة الافتحاص والتدقيق في تفعيل مفهوم قيمة مقابل مال. كما نصت المسودة في مدونة السلوك على أنه "يتعين على النائبات والنواب ارتداء اللباس اللائق أثناء ممارسة مهامهم داخل بناية المجلس"، مع "امتناع نواب الأمة عن التحدث عبر الهاتف، أو الانشغال بقراءة الجرائد والصحف، أو ما شابه ذلك، أثناء سير الجلسات العامة، وداخل جلسات اللجن الدائمة".

وحسب النص الجديد، سيصبح مفروضا على جميع النواب الإدلاء في مستهل الفترة النيابية، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، بالكشف عن ذمتهم المالية، وعن الجهات والمؤسسات المالية المقرضة، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين، كما "لا يحق للنائبات والنواب التصريح أو استعمال معلومات في حوزتهم بصفة حصرية، بهدف بلوغ مصلحة شخصية أو مصالح فئوية معينة".

تقييمات متضاربة للحصيلة التشريعية للدورة الماضية

أجمعت فرق المعارضة، في أحزاب الاتحاد الاشتراكي، والتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الدستوري، على اعتبار حصيلة الدورة التشريعية الخريفية الماضية هزيلة، ولا ترقى إلى مستوى تطلعات البرلمان في عهد الدستور الجديد.

ذلك عكس ما اعتبره كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، ومحمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين، اللذان أكدا أن الحصيلة التشريعية للدورة الخريفية كانت إيجابية، وأنها أبانت عن الدينامية الجديدة لعمل البرلمان.

وجاء تقدير رئيسي المجلسين خلاف ما يراه ثاني حليف للحكومة، وهو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، الذي اعتبر عضوه، عبد القادر الكيحل (عضو اللجنة التنفيذية للحزب)، في تصريح لـ"المغربية"، أن الدورة الخريفية تميزت بالضعف التشريعي بسبب ما يعانيه البرلمان من اختلالات تواجه عمل اللجان الدائمة لمجلس النواب، وبسبب قلة الاجتماعات التشاورية بين مكتب المجلس واللجان الدائمة، وتزايد الخلافات السياسية بين فرق الأغلبية نفسها.

إضافة إلى كثرة الخلافات والسجالات بين فرق الأغلبية والمعارضة حول العديد من المواضيع، تمثل أهمها في اختيار توقيت عقد الجلسات العامة المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العامة، والمواضيع التي يجب مناقشتها.

إلا أن رأي الكيحل لا يشاطره حليفه عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، الذي اعتبر أن الحصيلة كانت إيجابية، وأن الدورة الخريفية اتسمت بدينامية جديدة داخل مجلس النواب.
أما المعارضة فلديها رأي يقترب مما عبر عنه الكيحل، إذ تعتبر أن الدورة الخريفية كانت حصيلتها هزيلة، ولا ترقى إلى مستوى التطلعات في ظل الدستور الجديد.

وقال عبد اللطيف وهبي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، في تصريح لـ "المغربية"، إن الدورة التشريعية الخريفية "كرست فشل الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية، والمخطط التشريعي، كما عجزت عن تفعيل قانون المالية، إلا في بعض الجزئيات البسيطة منه".

وأشار إلى أن "الحصيلة التشريعية كانت هزيلة، وأبانت بشكل جلي عن قصور الحكومة، وعدم قدرتها على الأداء، سواء على المستوى السياسي عموما، أو المستوى التشريعي".

طارق: الفريق الاشتراكي لن يمارس المعارضة بشكل أوتوماتيكي

أعلن القيادي الاتحادي، حسن طارق، أن الفريق الاتحادي بمجلس النواب سيستمر في ممارسة المعارضة بالغرفة الأولى دون تنسيق أو تحالف بينه وبين فريق الأصالة والمعاصرة أو الفريق الدستوري.

وتوعد طارق، عضو فريق الاتحاد الاشتراكي في مجلس النواب، الحكومة بمعارضة اتحادية قوية للبرامج التقشفية التي تنوي اعتمادها، والتي قال إنها "ستكون لا محالة في غير صالح المواطنين".

وأوضح، في تصريح لـ "المغربية"، أن موقع الفريق الاشتراكي في المعارضة لا يخول له المعارضة الأوتوماتيكية لكل ما تأتي به الحكومة من إجراءات.

وأبرز طارق أن الفريق الاشتراكي في مجلس النواب سيعمل على الدفاع عن التنزيل الديمقراطي السليم لمقتضيات الدستور، وعن المشاريع التي ستكون في صالح الجماهير الشعبية، وعن توسيع دائرة الحريات وحقوق الإنسان وحرية التعبير، مع العمل على ترسيخ قيم الممارسة السياسية، التي قال عنها القيادي الاتحادي إن "السياسة تعني المجال العمومي المفتوح للتداول والحوار والاختلاف، وهي فضاء لتجسيد التفكير الجماعي في قضايا الشأن العام، وتعني المواطنة، كتكثيف لقيم المدينة والالتزام، وتعني الانتخابات كآلية لاختيار السياسات والمقررين، وتعني المشاركة كدليل على الشرعية وكتفعيل للمراقبة والمحاسبة".

وأضاف أن "تاريخ السياسة، بهذا المعنى في شرطنا المغربي، يكاد يجعل منها عنصرا طارئا، إذ لا نملك تقاليد قوية للمجال العمومي ولا نجر وراءنا أجيالا وأجيالا من الممارسة والتقاليد الحزبية، ولا نحمل تاريخا عميقا لفكرة المشاركة، لذلك نراهن اليوم على دستور 2011، الذي ينبني على فرضية ربط التدبير العمومي بالانتخابات، وعلى إعادة الاعتبار للسياسة وللأحزاب وللحوار، والتنافس بين المشاريع، والبرامج، والأفكار".

ويرى طارق أن الحكومة الحالية، التي يقودها عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تبدو إحدى ثمار هذه التجربة، متمنيا أن "تكون التجربة المغربية الجديدة بمثابة مؤشرات بنيوية على مرورنا الآمن، كمغاربة لزمن السياسية". وأضاف أن "المغرب يتوفر على دستور متقدم، وسنواجه الحكومة بالديمقراطية، وبواسطة الديمقراطيين، وداخل الشرعية وفي واضحة النهار".

وكشف البرلماني الاتحادي أن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب سينطلق في "نوع جديد من المعارضة، تنطلق من قاعدته المرجعية التي تنهل من قيم الفكر الاشتراكي"، مشيرا إلى أن "الخط السياسي الواضح للاتحاد ينحاز إلى صفوف الجماهير الشعبية وعموم الكادحين، ومن تاريخه الحافل بالنضال الديمقراطي، الذي مازال مستمرا بعد مرور حوالي أربعين سنة على انطلاقه".

وأضاف طارق أن "التموقع في صفوف المعارضة ليس قدرا محتوما على الاتحاد الاشتراكي، بل إنه موقع اختاره الاتحاد طواعية وبشكل ديمقراطي، من أجل الاستمرار في الدفاع عن القيم والمبادئ نفسها التي يؤمن بها، ويسعى إلى تطبيقها على أرض الواقع".

وعن طبيعة أدائه في مجلس النواب، قال طارق إن الفريق الاشتراكي سيعمل على تقدير درجة معارضته لمشاريع الحكومة، وأنه لن ينهج أسلوب المواجهة الدائمة مع الحكومة أو المعارضة بشكل أوتوماتيكي لكل ما تأتي به، موضحا أن "موقعنا في المعارضة يجب ألا يعزل عن سياق المرحلة السياسية التي يجتازها المغرب، وعن الخط السياسي للاتحاد".

وجدد طارق التأكيد على استراتيجية الاتحاد الاشتراكي في عقد التحالفات، سواء داخل البرلمان أو خارجه، إذ أكد أن الاتحاد "لن يدخل في أي تحالف خارج القوى الديمقراطية التي تملك قرارها، وخارج دائرة أحزاب اليسار"، معتبرا أنه "لا بديل للاتحاد الاشتراكي عن إعادة بناء المشروع الاشتراكي الديمقراطي، حتى لا يتحول الاتحاد من قوة رائدة، إلى حزب مكمل لمشاريع الآخرين داخل الحكومات أو داخل المعارضة".

حصيلة بالأبيض والأسود

اختلفت التقييمات بشأن حصيلة الدورة الخرييفة للبرلمان، حسب زاوية الرؤية بين الأغلبية، التي اعتبرتها إيجابية، والمعارضة، التي وصفتها بالضعف.

وكانت الدورة الخريفية الأولى من نوعها بالنسبة لمجلس النواب، المنتخب في تشريعيات 25 نونبر 2011، في إطار دستور فاتح يوليوز 2011. أما مجلس المستشارين، فمازال ينتظر التجديد، بعد الانتخابات المحلية المنتظرة، هي الأخرى.

لم يتجاوز عدد النصوص التشريعية، التي صوت عليها مجلس المستشارين خلال الدورة الخريفية 45 نصا تشريعيا، بينما وافق مجلس النواب على 52 نصا قانونيا، منها 48 مشروع قانون، و4 مقترحات قوانين.

وقال كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، في الجلسة العمومية لاختتام الدورة الخريفية، إن المجلس وافق، في نطاق ممارسة وظيفته التشريعية أثناء هذه الدورة على 52 نصا قانونيا منها، و48 مشروع قانون، و4 مقترحات القوانين.

وأبرز غلاب في الجلسة، التي حضرها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وعدد من الوزراء، أن المجلس وافق على عدد مهم من مشاريع القوانين ذات الصبغة المالية، والصحية وغيرها من المجالات بالنسبة لمشاريع القوانين، ومواكبة لمختلف المستجدات التي يعرفها المغرب في مجال تحسين الحكامة وتقوية التنافسية وتأهيل المنظومة المالية.

وأكد أن المناقشة والتصويت على مشاريع القوانين لا يقلل من الأهمية، التي يوليها المجلس لمقترحات القوانين، باعتبارها تندرج في صلب الوظيفة الدستورية والاختصاص التشريعي للنواب.

وأشار إلى أن تلك الدورة عرفت نشاطا مكثفا على مستوى مقترحات القوانين، إذ حيث بلغ عدد المقترحات قيد الدرس 62 مقترح قانون، 38 منها للأغلبية و21 للمعارضة، وتهدف في مجملها إلى إقرار مجموعة من القوانين الجديدة، أو مراجعة بعضها، لتتلاءم مع التطورات والمستجدات التي تعرفها الساحة الوطنية، أو في إطار ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية.

واعتبر غلاب أن دراسة مشروع قانون المالية لسنة 2013 شكل حدثا مهما، عكسه عدد ساعات العمل والاجتماعات التي استغرقتها مناقشته والتصويت عليه، وعدد التعديلات التي قدمت عليه (250 تعديلا)، قبل منها 65 تعديلا سجلت 50 في المائة منها لفرق المعارضة (32 تعديلا)، في سياق الدور الأساسي والحيوي للمعارضة كمكون أساسي ضمن المكونات السياسية لمجلس النواب إلى جانب الأغلبية، كما نص على ذلك الدستور.

وعن مجلس المستشارين، قال رئيسه محمد الشيخ بيد الله إن المجلس صوت خلال الدورة الخريفية بالدراسة على 45 نصا تشريعيا، تناولت مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعلاقات الدولية، موضحا أن مشروع قانون المالية لسنة 2013 يأتي في مقدمة النصوص القانونية التي استأثرت باهتمام المستشارين، وقدمت خلاله الفرق البرلمانية، تعديلات بلغ عددها 242 تعديلا منها 35 للأغلبية و203 للمعارضة، و4 تعديلات تقدمت بها الحكومة.

حاوره: حميد سموني

يرى عبد القادر الكيحل، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وعضو فريقه في مجلس النواب، أن البرلمان مطالب بالتوفر على منتخبين لهم من الكفاءات والإمكانيات والحنكة ما يكفي لتحمل مسؤولياتهم التشريعية والسياسية.

وفي حوار مع "المغربية"، قال الكيحل "إننا اليوم في حاجة إلى صناعة قوانين تتجاوب مع التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، لذلك يجب أن يتوفر البرلمان على أعضاء مؤهلين لخدمة بلدهم وقضاياه"، مبرزا أن عمل المعارضة يجب أن يجد صداه داخل أوساط المجتمع المغربي ويتجسد في الشارع.

وحتى يتحقق الربط بين عمل المعارضة والشارع، يرى الكيحل أن على فرق المعارضة أن "تجاهد من أجل كسب ثقة المواطنين في جدوى المعارضة البرلمانية".

وقال "علينا أن نقطع مع إشكالية تسمى "الانتهازية الاجتماعية" التي تتقوى يوما بعد يوم في الشارع، إذ أن المحتجين في الشوارع يحرصون على عدم التأطير السياسي، حتى يبقوا على المسافة نفسها مع كل الأحزاب، وهذا ما يؤدي إلى تسلل بعض الفئات العدمية، التي توجه هذه الاحتجاجات في اتجاه رفض كل المؤسسات وكل ما هو مؤسساتي للوصول إلى أهداف أو تنفيذ أجندات غير معلن عنها".

ويعتبر الكيحل أن "أزمة الشارع المغربي هي أزمة تأطير سياسي، ولا يمكن أن يترك المجال للعدميين وللمتطرفين ليشتغلوا على تأطير الشارع، وهذه ليست مسؤولية المعارضة فقط بل مسؤولية الأغلبية كذلك.

لكن هناك إشكالات ترتبط بالعمل الحكومي تفرض أخلاقيا على المعارضة أن تؤطر هذا العمل، وأن توجهه في الاتجاه الذي يخدم المصلحة الوطنية، وفي الاتجاه الذي يسعى إلى حل المشاكل، دون خلق إشكالات تتعلق بالاستقرار أو بزعزعة الكيان الاجتماعي للمغاربة".

كيف يمكن تقييم دور المعارضة داخل مجلس النواب؟

المعارضة اليوم تقوم بدور محتشم، ولا تقوم بأدوارها، وتعاني اختلافا في الأنماط والمدارس، وكل هذا يؤدي إلى عدم وضوح دورها داخل قبة البرلمان، وإذا قامت بالأدوار المنوطة بها ستكون محفزا وفاعلا ودافعا أساسيا لنجاح التجربة البرلمانية، في ظل الدستور الجديد.

يمكن اعتبار المعارضة، نسبيا، غائبة عن العمل داخل اللجان البرلمانية، التي يكون عملها غير خاضع للبث التلفزي. وبخصوص مستوى الأداء التشريعي، فإنها تعاني ارتباكا في مشكلة اختيار النمط الذي يمكن أن تعتمده.

وهناك صراع بين أحزاب الاتحاد الاشتراكي، والأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، حول نمط المعارضة التي يمكن أن تقودهم وتوحدهم. لذلك نجد، حتى في التصويت على مشروع القانون المالي، أن هناك ارتباكا واضحا في صفوف فرق المعارضة.

فتارة يصوتون برلمانيوها بالامتناع، وتارة أخرى يصوتون مع الأغلبية، وأحيانا يصوتون بالرفض، وهذا ما يحتم عليهم إجراء تقييم لعملهم، من أجل إعادة النظر في طريقة اشتغالهم، خصوصا أن الدستور يعطيهم مكانة قوية، يجب أن تنعكس في إطار العمل البرلماني.

ما هي ملامح التقصير التي رصدتموها في عمل المعارضة؟

هي غياب التتبع الدقيق والملازم للعمل الحكومي في كل القضايا.

لو كان حزب الاستقلال في المعارضة، ماذا كنتم ستعملون في هذه الظرفية بالذات؟

لو كنا في المعارضة، كنا سنقوم بأدوارنا الوطنية، وسنحاول أن نتتبع العمل الحكومي في دقائقه، من خلال قوة اقتراحية، وحضور متميز، ومراقبة قوية، وبمساهمة في التشريع، لأن الدستور الجديد يمنح للمعارضة اختصاصات قوية، يجب أن تفعل بشكل إيجابي يخدم الوطن والمواطنين.

لكن كل ما قلته، نجد أن أحزاب المعارضة تقوم به، فما هو الفرق؟

ليس هناك تجاوب بين المعارضة داخل البرلمان والشارع، لأنه، في أغلب التجارب الديمقراطية، لما تكون المعارضة قوية وتحتل مكانتها في البرلمان، فهي تتجاوز البرلمان، في أغلب الأحيان، لتصل إلى الشارع وتقود حركات احتجاجية، تدعم موقفها السياسي في مواجهة الحكومة، وهذا هو ما لم نره في المعارضة الحالية.

ولما تكون المعارضة ضعيفة، تتولد عنها معارضات خارجة قبة البرلمان أي في الشارع، وهذه الحركات الاحتجاجية المعارضة تكون دائما غير مضمونة العواقب. لذلك، عندما نتحدث عن تقوية أدوار المعارضة، فإننا نتحدث عن المعارضة التي لا تبقى حبيسة العمل البرلماني، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى الشارع وتؤطره.

اليوم، نجد أن أزمة الشارع هي أزمة تأطير سياسي، ولا يمكن أن يترك المجال للعدميين وللمتطرفين ليشتغلوا على تأطير الشارع، وهذه ليست مسؤولية المعارضة فقط، بل مسؤولية الأغلبية كذلك، لكن هناك إشكالات ترتبط بالعمل الحكومي، تفرض أخلاقيا على المعارضة أن تؤطر هذا العمل، وأن توجهه في الاتجاه الذي يخدم المصلحة الوطنية، وفي الاتجاه الذي يسعى إلى حل المشاكل، دون خلق إشكالات تتعلق بالاستقرار أو بزعزعة الكيان الاجتماعي للمغاربة.

هل يمكن للمعارضة البرلمانية الحالية أن تمتد إلى خارج البرلمان؟

العلاقة بين المعارضة والشارع يجب أن تنطلق من العمل التشريعي، حتى يسترجع المواطن الثقة في البرلمان في أغلبيته ومعارضته. اليوم، لنا إشكالية تسمى "الانتهازية الاجتماعية"، التي تتقوى يوما بعد يوم في الشارع، إذ أن المحتجين في الشوارع يحرصون على عدم التأطير السياسي، حتى يبقوا في علاقة مع كل الأحزاب، ما يؤدي إلى تسلل بعض الفئات العدمية التي توجه هذه الاحتجاجات في اتجاه رفض كل المؤسسات، وكل ما هو مؤسساتي، للوصول إلى أهداف أو تنفيذ أجندات غير معلن عنها.

كيف تقيم مشاركة الشباب والنساء في العمل التشريعي داخل البرلمان؟

هناك تميز في العمل التشريعي بفضل دخول كفاءات جديدة، ولابد من الإشادة بالأدوار التي لعبها البرلمانيون، الذين دخلوا البرلمان عن طريق اللائحة الوطنية، من النساء والشباب، إذ عملوا على ضخ نفس جديد في العمل البرلماني، كما أنهم يحرصون على الحضور المتميز والدائم في جميع أشغال اللجان وفي الجلسات العامة.

وما يمكن أن نستخلصه، هو أن الانتخابات السابقة لأوانها أعطت نفسا جديدا للعمل التشريعي، وأعطت دماء جديدة، وأعطت حضورا متميزا لهؤلاء الشباب والنساء، إذ أنه، لأول مرة، نسجل ارتفاع نسبة الحضور على مستوى اللجان والجلسات العامة، خصوصا في الجلسة المتعلقة بالتصويت على قانون المالية، إذ أن أكثر من 75 في المائة من البرلمانيين كانوا حاضرين، رغم طول ساعات العمل التي تمتد من 9 صباحا إلى منتصف الليل، الأمر الذي يعتبر متعبا، لكنه لم يؤثر على نسبة الحضور.

رغم ذلك، يلاحظ أن ظاهرة الغياب "مرض" مازال متفشيا في البرلمان؟

مقارنة مع الولايات السابقة، هناك تقلص ملحوظ في ظاهرة الغياب، والغياب هو مرض تشريعي، والأمراض لا يمكن أن تتعافى في لحظة واحدة، لذلك، نعتبر أنه هناك، اليوم، تحول، وهناك تغيير في اتجاه الحضور والتمثيل، لكن، بالمقابل، لابد من إعادة النظر في الإجراءات التي تلزم البرلمانيين بالحضور، انطلاقا من النظام الداخلي، لإعطاء مضمون للعمل التشريعي، حتى يبتعد عن الرتابة




تابعونا على فيسبوك